بقلم: نبيل عمرو
يعد بنيامين نتنياهو من أهل البيت في أميركا، وأكثر من ذلك يحظى بامتيازات استثنائية، كأن يُدعى لإلقاء خطاب في الكونغرس من وراء ظهر الرئيس، وأن يُصفَّق له وقوفاً عند كلّ فقرة، وأن يتسابقَ «السيناتورز» على الظَّفر بالسَّلام عليه والتقاطِ الصور معه، في مشهد استثنائي تبدو فيه إسرائيلُ هي الكبيرة، وأميركا الصغيرة.
المظهر المسرحي للزيارة والخطاب، سوف يتكرَّر بحرفيته، ما دام الأمرُ يتعلَّق بالترتيبات المسبقة، وبمتطلبات الموسم الانتخابي والتسابق المحموم على كل صوت وعلى التمويلِ اليهودي السخيّ، الذي يسعَى إليه كلُّ مرشحٍ لأي موقع من مواقع المؤسسات الحزبية والرسمية والعامة في الدولة العظمى.
غير أنَّ جديداً وراء المظهر المسرحي هذه المرة، تجسّدُه حالة نتنياهو بين آخر خطابٍ ألقاه من وراء ظهرِ أوباما، إلى الخطاب الذي يلقيه من وراءِ ظهر بايدن.
صحيحٌ أنَّ الرئيسَ المحتضر سيتظاهر بالرضا عن الزيارة والخطاب، وسيفتح أبوابَ البيت الأبيض التي كانت مغلقة، إلا أنَّ الصحيحَ أكثر أنَّ الرئيسَ الذي اضطر لتغيير رأيِه سيتلقَّى من نتنياهو ما يشبه مكافأة نهاية الخدمة، ربَّما على هيئة مرونة محدودة تجاه مبادرة بايدن فيما يتَّصل بحرب غزة.
كثيرة ونوعية هي تلك الأمور التي تعدّ بحق جديداً يتميَّز به نتنياهو في هذه الزيارة، فهو يزور واشنطن وحربُه الفاشلة التي ورّط أميركا في فصولِها تدخل شهرَها العاشر، من دون ظهور مؤشراتٍ على أنَّها في سبيلها إلى النهاية، لقد وضعت حربُ نتنياهو أميركا في موقع الشريك المنقاد بلا إرادة في حرب إبادة هي الأشد فظاعة في التاريخ المعاصر، لقد وضع أميركا في حالة مزدوجة ومتناقضة، فهي شريك مباشر في الحرب، ووسيط عاجز عن وقفها أو حتى التخفيف من وتيرتها، ولم يسبق أن تزعزعت هيبة ومكانة ونفوذُ أميركا وحتى قيمها مثلما زعزعتها حربُ نتنياهو، ليس أمام العالم الذي فرضت عليه الدولة العظمى رقماً قياسياً في عدد استخدامِها لحق النقض «الفيتو» لحماية الحرب، بل أمام الأميركيين أنفسِهم الذين اعترضت نسبة كبيرة من شبابهم على هذه الحرب، ودور دولتهم فيها، حتى أوشكت مظاهراتُ الطلبة وانتفاضة الجامعات على أن تشابه ما حدث بشأن حرب فيتنام في العقود الماضية.
نتنياهو يزور أميركا هذه المرة ووراءه شرقُ أوسط مشتعلٌ لم تنفع حياله انتقالاتُ أقطابِ الإدارة للعمل فيه من أجل تطويق الحرائق، خصوصاً أنَّ نيرانَها تصيب حلفاءَ أميركا وأصدقاءها أكثرَ بكثير مما تصيب خصومَها، هذا حدث ولا يزال يحدث ويتطوَّر رغم حاجة أميركا إلى هدوءٍ في واحدة من أهم مناطق مصالحها الحيوية، وبطل المشهد في هذا كله بنيامين نتنياهو الذي يُحتفَى به في واشنطن حيث التصفيق وقوفاً وبسذاجة لخطابه، وهزّ الرؤوس موافقةً على ما يحرّض أميركا على فعله، وهي مواصلة المشي وراءه معصوبة العينين، فاقدة الإرادة والقدرة على «فرملة» عربته المندفعة بلا هوادة ليس في غزة وحدها، وإنَّما في المنطقة بأسرها.
في آخر خطاب ألقاه في الكونغرس أيام أوباما كان نتنياهو يحظى بإجماع شعبي في إسرائيل على أنَّه الملك، كان مؤيدوه يلقبونَه بذلك ومعارضوه يبتلعون اللقبَ بفعل عدم قدرتهم على مواجهته، أمّا في هذه الزيارة فقد تغيرت الصورة والإيقاعُ والمكانة، وتكفي نظرة إلى استطلاعات الرأي التي تُجرى بصورة يومية في إسرائيل ليتعرَّفَ المصفقون له على حقيقة وضع الرجل الذي يتسابقون على التقاط الصور معه، بأنَّه ليس كما كان أيام إهانتِه الصارخة لأوباما، بل تحوَّل من ملكٍ مُجمَعٍ عليه إلى قضية إشكالية في إسرائيل وأميركا والعالم. ففي إسرائيل يتضاعف عديدُ الذين يتظاهرون ضدَه ويحاولون منعَ طائرته من الإقلاع، ويطالبون بإجراء انتخاباتٍ مبكرة، لعلَّهم يتخلَّصون منه، وفي العالم ها هو مدانٌ ودولتُه من محكمة العدل الدولية، وهو كذلك ووزير دفاعِه مشروعُ ملاحقة من محكمة الجنايات.
هنالك جديد قديم يبدو أنَّه غيرُ مؤثرٍ في مجال الحفاوة والترتيبات، هو أنَّ المُحتفَى به يحمل على كتفيه قضايا فسادٍ مثبتة، الواحدة منها تهدُّ الجبال، وقد بدأت تتحرَّك وإن ببطء وتحفظ على نحو مرعب له، إذ لا يرى منجاة منها ولو إلى حين، سوى مواصلة الحرب وتوسيعِ دائرة اشتعالاتِها حتى لو شملت الشرق الأوسط كلَّه.
هذا بعض الجديد الذي يحيط بنتنياهو في زيارته الحالية لواشنطن، قد تُظهر الترتيبات المُعدَّة بعناية لإخراج المسرحية صورةً مغايرة لحالة الرجل ومكانتِه، غير أن الحقائق التي اكتشفها جمهورٌ أميركي عريض وما عبّر عنها السيناتور ساندرز تبدو كشمسٍ لا يحجبها غربال.
هذا في أميركا، فكيف الحال في العالم؟