بقلم: نبيل عمرو
للجزائر إيقاع إيجابي دائم عند العرب، والفلسطينيين بالذات. ذلك مستمد من تاريخ مجيد أحرز فيه شعب الجزائر انتصاراً كبيراً قدّم من أجله أكثر من مليون شهيد، فصار أمثولة لكل الشعوب المناضلة من أجل الحرية والاستقلال.
احتفلت الجزائر بعيد الاستقلال، وإلى جانبه وفي أجوائه العاطفية، احتفلت بمصافحة جرت بين هنية وعباس، حتى أن أحد المولعين باستخدام جملة الحدث التاريخي، وصف المشهد بأنه كذلك.
الجزائر في حياة الفلسطينيين دولة مستقرة في تبنيهم ودعمهم، ثم هي منتجة الشعار الذي أطلقه الراحل هواري بومدين: «نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة». وحين كانت التقلبات السياسية تمنع عنهم عقد برلمانهم الصعب المسمى «المجلس الوطني» في عواصم قريبة، كانت الجزائر جاهزة؛ ليس في تأمين المكان؛ بل في أمر الحماية والنجاح.
حُسن النية والمقصد عند الجزائر ليسا محل نقاش أو اختبار، ولو كانت الأمور تعالج بالنيات والأمنيات لأُنجزت وحدة الفلسطينيين منذ زمن طويل، أي الزمن الذي اشتغلت فيه مصر على هذه المسألة، واشتغل معها كثير من العواصم العربية وغير العربية، والناتج الوحيد الذي نجم عن هذا الجهد أن عناقاً وذرف دموع كان يجري في العواصم المضيفة، وما إن يعود المتعانقون والباكون على الوحدة ومصير الوطن إلى ديارهم، حتى يقف كلٌّ على سلاحه، وكأنهم في سباق على من يبعد فرص المصالحة ويحولها من انقسام إلى انفصال.
لا أستبعد أن تبدأ الجزائر جولات جديدة من «حوار الأشقاء»، فمن توجه له دولة المليون شهيد دعوة لن يعتذر عنها، ولن يفوت فرصة الاستمتاع بالضيافة الجزائرية المجربة، ففندق الأوراسي التاريخي يتسع لكل القادة المنقسمين، وتتسع ردهاته الفسيحة لسهرات وحوارات تمتد حتى الصباح. لعل كل مختلف عن الآخر يثبت أنه على حق، وأنه أكثر حرصاً من الجالس قبالته على الثوابت الوطنية التي يجري التفريط فيها، وآن الأوان لاستعادتها.
احتفلت الجزائر المستقلة بعيد مستحق، واحتفلت كذلك بمصافحة صُورت كأنها طوت صفحة الانقسام ووضعته وراء الظهر؛ ألم توصف بالتاريخية؟
ومع كل التقدير لحسن نية وصدق الجزائر، فإن الفلسطينيين الذين يعيشون في أرض الانقسام وتحت كابوس الاحتلال وانسداد الآفاق، لم يشاطروا من وصفوا المصافحة بالتاريخية رأيه وتفاؤله واستخلاصاته؛ بل استذكروا حفلات العناق التي جرت في العواصم، فإذا بها بعد العودة إلى الديار تطيل عمر الانقسام، وتمده بمقومات التحول إلى انفصال.
كل من أدلى بدلوه في حكاية المصالحة الفلسطينية كان مخلصاً في مسعاه، فليس من مصلحة لأي دولة شقيقة أو صديقة أن يتواصل انقسام أجهز على صورة الشعب الفلسطيني أمام أصدقائه قبل خصومه، وأحرج الحلفاء الذين لا يزالون يرفعون لواء الحق الفلسطيني وحتمية أن يصل إلى أصحابه، ويرون الانقسام ثغرة واسعة تهرّب كل الجهد والتضحيات التي بذلت لنصرة هذا الحق، وتقضي على الإنجازات التي تحققت على مدار عقود، حتى بدت الآن كما لو أنها لم تكن.
منطق معكوس يبدو أنه كلمة السر، فالوسطاء أكثر إخلاصاً لقضية الوحدة الفلسطينية من الأقطاب صناع الانقسام، لهذا كانت الاحتفالات والآمال تنبت في عواصم الوسطاء لتموت في أرض الوطن، فهل نأمل في أن المصافحة الجزائرية ستكون استثناءً عن كل ما حدث؟ «الله أعلم».
أمر آخر وأخير في هذا الشأن، بدا لي أن الرئيس محمود عباس لم يكن سعيداً بالمشهد، فالرجل وفق حساباته واتجاهاته ينتظر الرئيس بايدن، ويحضر نفسه لنيل بعض المزايا منه، أما حكاية هنية ومعسكره فهي ليست في البال.