ينبغي أن يبدأ إصلاح الحال الفلسطيني بإصلاح النظام السياسي الذي اضمحلّ وضعف وتشتّت جرّاء الانقسام والجمود والإهمال. كلّ الترتيبات التي يجري الحديث عنها، وأكثر ما هو متداولٌ منها، استحداث منصب نائب رئيس المنظّمة. تحاول الطبقة السياسية إلباسها رداءً ملوّناً لا يلبث أن يُكتشف أنّه لا يُحدث الإصلاح المنشود.
الإصلاح الحقيقي المقنِع مجاله ثلاث حلقات مترابطة، ولا غنىً عن أيّ منها، سواء بالتأجيل أو الإلغاء أو التحايل.
حركة فتح، التي تدرك قاعدتها وقيادتها مدى التدهور الذي اعتراها، وخصوصاً على مستوى وحدتها الداخلية ومكانتها الشعبية. هذه الحركة لا يصلحها عفوٌ عامّ لا يستجيب له أحد، ولا تصلحها إجراءات ومناقلات الوظائف والمهامّ والمسمّيات بين بعض أعضائها ممّن يوصفون بالقياديّين.
إنّ أقرب اجتهاد إصلاحي يُتداول قاعديّاً هو عقد مؤتمر عامّ يضمّ كلّ الفتحاويّين، وخصوصاً “المطرودين” منهم. وهذا المؤتمر المنشود ينبغي أن يكون تأسيسيّاً وتوحيديّاً، مع الوضع في الاعتبار أنّ كلّ المؤتمرات، التي عُقدت على أرض الوطن، كانت فاشلةً بفعل التدخّل الفظّ من قبل النافذين في مدخلاتها ومخرجاتها، وحتّى مساراتها التنظيمية.
إذاً.. في ضوء النتائج السابقة، المؤتمر الحقيقي حاجة شرعية وضرورية بل وإلزامية، فهو حاضنة صحّية لاستعادة الحركة الكبرى لوحدتها ودورها في الحياة الوطنية الفلسطينية بإجمالها، وليس فقط في ما يتّصل بالنفوذ السلطوي المتراجع أصلاً لدى الجميع.
ينبغي أن يبدأ إصلاح الحال الفلسطيني بإصلاح النظام السياسي الذي اضمحلّ وضعف وتشتّت جرّاء الانقسام والجمود والإهمال
إصلاح جذريّ وشامل
منظّمة التحرير. لن يقتنع أحد إلّا إذا سلّح نفسه بسذاجة مفرطة بأنّ حال المنظّمة سوف يكون أفضل إذا ما سُمّيَ فلانٌ أو علّان نائباً لرئيسها، ومن دون الحديث عن الأسماء التي يجري تداول عدد منها، والتي كلّها من قماشة واحدة ومن المؤسّسة المتهالكة ذاتها التي تحتاج إلى إصلاح جذريّ شامل أساسه عودة الحياة إلى مؤسّسات المنظّمة التي حمتها في السابق وأوصلتها لتكون بلا منازع الممثّل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، باعترافٍ واعتمادٍ من العالم كلّه.
ينبغي عقد مجلس وطني توحيدي تُدعى إليه كلّ الفصائل والقوى والفعّاليّات الوطنية، وذلك بعد تحضيرٍ جيّدٍ ومكثّف لإعادة إحياء المنظّمة لتكون مرجعية أساسية عليا للحركة الوطنية الفلسطينية بكلّ فروعها وقواها وتشكيلاتها، وبعد تأكيد جميع المشاركين الالتزام بكلّ ما صدر عن المنظّمة من برامج ومواقف سياسيّةٍ وما سيصدر عنها.
السلطة الوطنيّة، سواء في غزة أو الضفّة، هي الآن هدفٌ للتصفية أو الاحتواء الإسرائيلي، وهي ممنوعةٌ إسرائيليّاً من أن تكون في غزّة، وممنوع عليها ممارسة صلاحيّاتها حتّى ضمن الحدود التي نصّت عليها الاتّفاقات التي أنتجتها أوسلو. أمّا القدس فمنذ زمن وإسرائيل لا تتوقّف عن العمل لإلغاء كلّ وجود وطني فيها حاضراً ومستقبلاً، وفرض واقعٍ يحول دون تحقيق الحلم الفلسطيني وحتّى العالمي بأن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة.
هذه السلطة وهي بهذا الحال لا تنفع معها الإصلاحات السطحيّة التي غالباً ما يقترحها المانحون لقاء تنقيط بعض مساعدات الحدّ الأدنى في حلقها، ولا تنفع معها المناقلات والترضيات الممنوحة لبعض عناصر الحالة الرسمية، التي تجمّعت كلّ المسؤوليّات في أيدي قلّةٍ منهم، مع أنّها تحتاج إلى الآلاف للوفاء بها.
ينبغي عقد مجلس وطني توحيدي تُدعى إليه كلّ الفصائل والقوى والفعّاليّات الوطنية، وذلك بعد تحضيرٍ جيّدٍ ومكثّف لإعادة إحياء المنظّمة لتكون مرجعية أساسية عليا للحركة الوطنية الفلسطينية
لإصلاح السلطة باب واحد ووحيد لا بدّ من الدخول منه، وهو الإعداد الجدّي من اليوم لإجراء انتخابات عامّة، رئاسية وتشريعية، من دون انتظار إذنٍ من بن غفير وسموتريتش لإجرائها في القدس، وينبغي أن تكون انتخابات تحدٍّ في القدس أوّلاً، وفي كلّ الوطن، وإذا كان صعباً إجراؤها اليوم وغداً في غزة، فلتكن الانتخابات هي الأولويّة الأساسية للقرار السياسي الوطني، والإعداد لها جدّياً. ومن دون ذلك، كلّ الترتيبات الموحى بها من المانحين الذين يزدادون بخلاً لن تكون أكثر من مساحيق تجميلية سرعان ما تختفي وتتلاشى دون أن يلمس المواطن الفلسطيني أيّ أثر فعليّ لها.
حزب الجمود
هذا ما ينبغي أن يحدث، إذا ما كان الإصلاح وطنيّاً وحقيقيّاً، وأمّا إذا كان كلّ شيء في حياتنا مرتبطاً بإرضاء المانحين وغيرهم، فالنتيجة الحتمية أن نظلّ نلفّ وندور داخل دائرة مفرغة لا مخرج منها.
ملاحظة لا بدّ منها: إنّ في حياتنا الوطنية حزباً متماسكاً ومنتشراً دون إعلانٍ رسمي، هو حزب الجمود، الذي مبدؤه أنّ كلّ فكرة إصلاحية جدّية لا مكان لتحقيقها بفعل المعيقات التي يفرزها الواقع وأساسها إسرائيلي، وحينئذٍ يكون الاحتلال هو المشجب الذي يصلح لتعليق كلّ تقصير عليه. إنّ سدنة هذا الحزب الفعّال، وإن لم يكن معلناً، هم المخترعون الدائمون لبقاء الجمود، الذي هو بالضبط بقاؤهم حيث هم.