بقلم: داود الفرحان
بسبب النظام الإيراني الحالي وتطلعاته النووية، والعقوبات الدولية، وميليشياته الإرهابية، وقمعه للشعب الإيراني المحب مثل كل الشعوب للحرية والمعرفة والإنسانية والحياة المرفهة، فإن الريال الإيراني هو العملة الأقل قيمة في العالم. وبسبب العقوبات المفروضة على نظام الملالي و«الحرس الثوري» و«فيلق القدس»، وقمع المظاهرات والاحتجاجات والنساء السافرات، وتدخله في الأنظمة المجاورة من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن ومياه الخليج العربي وسفن العالم التجارية، فإن إيران أصبحت دولة منبوذة وفاشلة وشبه محاصرة، وتم حرمانها من وصول نفطها إلى السوق العالمية، نتيجة العقوبات الأميركية والأوروبية الصارمة. وللعلم فإن الريال الإيراني انحدرت قيمته حالياً إلى 0.00002363 دولار أميركي، وهو رقم صعب القراءة!
الدولار الأميركي هو العملة الأكثر تداولاً واستخداماً في العالم، فهو يُستخدم بنسبة أكثر من 70 في المائة من الأوراق النقدية المستخدمة خارج الولايات المتحدة. كما أن هذا الدولار عملة احتياطية لعديد من الدول، ويعتبر فيها «عملة وطنية» غير قانونية في الأزمات الاقتصادية والمالية، مثلما حدث في لبنان والعراق وليبيا وأفغانستان.
أما الفرنك السويسري فهو العملة الأكثر استقراراً في العالم؛ لأن سويسرا لديها أدنى مستوى من الديون، وسياسة نقدية سليمة، ما يجعل اقتصادها قوياً للغاية. ولذلك يُطلق على الفرنك السويسري «عُملة الملاذ الآمن» نتيجة للجوء أصحاب الثروات الطائلة إليه، وحتى اللصوص الكبار وأصحاب الأموال السوداء المسروقة من الخزائن الحكومية الدولية في فترات الفوضى والانقلابات والثورات.
ومع كل تلك الدول تقف «جزر كايمان» في الساحل الغربي للبحر الكاريبي، وهي تابعة لبريطانيا وعاصمتها «جورج تاون» وعدد نفوسها يتراوح بين ثمانية وخمسين ألفاً وثمانية وستين ألف نسمة. وهي إقليم متخصص في غسل الأموال، ما جعلها تتصدر قائمة مخابئ الأموال المنهوبة، وهي تبذل أقصى ما في وسعها لمساعدة أغنى أغنياء العالم على إخفاء وغسل الأموال، دون ملاحقة قانونية جدية أو ضوابط رقابية. وقد أدرج وزراء مالية الاتحاد الأوروبي هذه الجزر في القائمة السوداء لملاذات التهرب الضريبي، إلى جانب جزر سيشيل وجزر بالاو. وتتعامل هذه الجزر مع أكثر من 100 ألف شركة دولية تعتبر من مراكز الأموال السرية الفاسدة؛ لكن حكومة جزر كايمان نفت هذه التهمة، وزعمت أنها «لا تعمل في السر»؛ بل تتعاون مع السلطات في جميع أنحاء العالم!
نعود إلى الدولار الذي تحول إلى مشكلة عويصة في دول مثل العراق ولبنان وإيران وأفغانستان، وروسيا بجلالة قدرها. فالدول تلجأ إلى قرار تخفيض قيمة عملاتها الوطنية لإعادة التوازن في ظروف عجز كبير، أو لتخفيف هذا العجز. ويؤدي تخفيض قيمة العملة الوطنية، كما حدث مؤخراً في العراق مثلاً، إلى جعل أسعار السلع المستوردة أعلى بالنسبة إلى السكان المقيمين، وقد يحدّ من شراء السلع المستوردة من الخارج، ويدفع إلى الإقبال على شراء منتجات وطنية رديئة الصنع، وليس لها منافس، بأسعار مقبولة بعد خفض قيمة العملة الوطنية، وانكماش رواتب المتقاعدين. إلا أن مثل هذا القرار يجب -وليس يجوز- أن يتم علاجه في أقرب انفراجة مالية؛ سواء بالاستيراد من الخارج أو تحسين الصناعة الوطنية للتنافس على السلعة، وليس إرغام المستهلكين على شراء «الهيكل العظمي» للدجاجة المحلية –مثلاً– وكتابة معلومات كاذبة عن وزنها! أو فتح مزاد علني يومي في البنك المركزي العراقي، لبيع الدولار مقابل الدينار العراقي عديم القيمة، ثم إرسال صناديق الدولارات المبيعة إلى إيران، بحجة أنها لتسديد كلفة بضائع مستوردة من طهران إلى بغداد، أو قيمة استهلاك كهرباء وهمي مستورد من إيران. يجب أن تنتهي هذه اللعبة «الإطارية» المكشوفة، فقد آن الأوان أن يتصرف المسؤولون بكامل المسؤولية عن وطن له حدود وعلم وعملة وطنية ونشيد وطني، وإيقاف أطول مسرحية فوضوية دموية فاسدة ومملة، استغرق عرضها عشرين عاماً.
لقد تعهد رئيس الوزراء العراقي الحالي بحل المشكلة، وإنعاش العملة الوطنية. الشعب العراقي في الانتظار، بعد أن تدخلت الولايات المتحدة للدفاع عن دولارها المنهوب من قبل دولة إيران والموالين لها في العراق.
قبل 5 أشهر ذكرت صحيفة «فايننشيال تايمز» أن قوة العملة الأميركية أمر مهم؛ إذ يميل الدولار إلى فرض ضغوط انكماشية على الاقتصاد العالمي. ويلعب رأس المال الأميركي والدولار دوراً كبيراً في أن تبقى الأسواق المالية الأميركية مفتوحة، وعندما تُغير التدفقات المالية اتجاهها من أو إلى الولايات المتحدة يتأثر الجميع.
لماذا ترتفع قيمة الدولار أمام بقية العملات الرئيسية الأخرى؟ يرى محللون اقتصاديون أن قرار الاحتياطي الفيدرالي المركزي الأميركي رفع سعر الفائدة بشكل مستمر وأسرع من بقية الدول الكبرى لكبح التضخم، يؤدي إلى تعزيز العملة الأميركية، وزيادة إيرادات الودائع وصناديق المعاشات التقاعدية، ما يفيد الأميركيين عند شراء السندات الأجنبية بأسعار مناسبة وتنافسية.
وإذا راجعنا الدول الأوروبية والآسيوية الأخرى، مثل بريطانيا وفرنسا والدول الإسكندنافية، أو اليابان والصين والهند، فهي غير راضية عن عملاتها، ولا ترفع أسعار الفائدة. أما الولايات المتحدة فهي راضية عن سياستها المالية، حتى لو كانت غير متحمسة لتحركاتها السياسية والعسكرية؛ لأنها قد تؤدي إلى ركود اقتصادي عالمي من دون مبرر.
الدخول في كل التفاصيل اليومية لا يجدي؛ لأنها قد تتغير مع صياح الديك؛ لكن أصحاب الثروات يهتمون بها لأنها قد تؤدي إلى سكتات قلبية. وأخيراً أنا أسمع شكاوى من العراقيين الذين تأذوا اقتصادياً من رفع أسعار شراء الدولار الأميركي في البنك المركزي العراقي، وليس الأميركي، ويتساءلون: هل أصبح الدولار الأميركي عملة «وطنية» عالمية في العراق وغيره من الدول؟
وأخيراً يحتاط كثير من الدول بالذهب على حساب الدولار؛ لكن ذلك قد لا يعني أن هيمنة الدولار على نظام النقد الدولي باتت مسألة وقت، كما يقول قراصنة الجمجمة والعظمتين.