بقلم - داود الفرحان
تحت عنوان «السلام والكرامة والمساواة على كوكب ينعم بالصحة»، تأسست منظمة الأمم المتحدة في 26 يونيو (حزيران) 1945 في مدينة سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة. ويتكون الميثاق من 18 فصلاً و111 مادة.
وجاء في ديباجة الميثاق: «نحن شعوب الأمم المتحدة آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف، هما الحربان العالميتان الأولى والثانية. ونحن نؤكد إيماننا من جديد بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية. ونحن نبين الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة من المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي. كما ندفع بالرقي الاجتماعي قُدماً، ونرفع مستوى الحياة في جو أفسح من الحرية. وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا أن نأخذ أنفسنا بالتسامح وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار، وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي. وأن نتكفل بقبولنا مبادئ معينة ورسم الخطط اللازمة لها، ولا نستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة، وأن نستخدم الأداة الدولية في ترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعوب جميعها. ولهذا، فإن حكوماتنا المختلفة، على يد مندوبيها المجتمعين في مدينة سان فرانسيسكو الذين قدموا وثائق التفويض المستوفية للشروط، قد ارتضت ميثاق الأمم المتحدة هذا، وأنشأت بمقتضاه هيئة دولية تسمى «الأمم المتحدة».
وفي مادة الميثاق الأولى، ورد «أن أهداف الأمم المتحدة هي حفظ السلم والأمن الدولي، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ المنظمة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم وإزالتها، وقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها».
والآن مرّ نحو 4 أشهر على بدء الحرب الروسية - الأوكرانية، منذ يومها الأول في 24 فبراير (شباط) 2022 هاجر أكثر من 5 ملايين أوكراني إلى دول الجوار وما بعدها، هرباً من هذه الحرب. إنه أكبر هروب سكاني في أوروبا منذ الحرب الأهلية اليوغوسلافية التي استمرت 10 سنوات (1991 - 2001).
لقد عجزت الأمم المتحدة ومجلس الأمن عن تأدية مهمتها الأساسية الواردة في ديباجة تأسيسها بحفظ السلام، ووقف أي حرب. وكل تصريحات ونداءات الأمين العام للأمم المتحدة لوقف القتال بين روسيا وأوكرانيا ذهبت مع الريح.
والدول الأربع الأخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن لا تستطيع إصدار أمر بوقف الحرب، لأن الفيتو الروسي أغلق الباب. وهو أمر يستدعي بعد أن تضع الحرب الروسية أوزارها في يوم من الأيام إعادة النظر في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة، و«حق الفيتو».
في الحرب الأميركية على العراق في عام 2003 رفضت روسيا وفرنسا والصين استخدام حق «النقض» ضد القرار الأميركي - البريطاني العدواني بشنّها، رغم اعتراض الدول الثلاث على الحرب ومطالبتها باستمرار التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل التي ثبت أنها كانت أكاذيب ومزاعم. واعترفت واشنطن ولندن بعد تدمير العراق أنها استقت «المعلومات» الملفقة من المخابرات المركزية الأميركية والمعارضين العراقيين الموالين لإيران. وقد وردت هذه الاعترافات المتأخرة بمذكرات الرئيس الأميركي الأسبق بوش الابن وكولن باول ودونالد رامسفيلد ورئيس الحكومة البريطانية توني بلير، وعدد آخر من السياسيين الأميركيين.
لقد أطلق بوش على العراق وإيران وكوريا لقب «محور الشر»، لكنه ركز على الحلقة الأضعف، وهي العراق. وترك كوريا الشمالية النووية وإيران التي احتلت العراق، وتسعى إلى إنتاج القنابل الذرية.
يتساءل البعض عن سبب عدم استخدام الأمم المتحدة قواتها لحفظ السلام بين روسيا وأوكرانيا. والسبب واضح من اسمها، فهي قوات تتم دعوتها للخدمة في المراحل الانتقالية من الحرب أو النزاع إلى السلام. أي أنها لا تشارك عندما تكون الحرب قائمة. وفي حالات التكليف الدولي، وهي كثيرة، وشارك فيها أكثر من مليون رجل وامرأة، وفقد منها أكثر من 3500 عسكري أرواحهم، وهي تحمل أعلام الأمم المتحدة الزرقاء، وليس أي من الدول المشاركة في الحرب. وعملياً، هي قوات شرطة أكثر مما هي قوات جيش منذ تأسيسها في عام 1948.
والأفراد من جنسيات مختلفة يعملون تحت قيادات موحدة لحماية «الأكثر ضعفاً» في الحرب أو الأزمات الدولية أو التجاوزات الحدودية. ومن مهماتها رصد وقف إطلاق النار وحماية المدنيين ونزع أسلحة المقاتلين السابقين وحماية حقوق الإنسان وتعزيز سيادة القانون، ودعم إجراء انتخابات حرة ونزيهة وسلمية والتقليل من خطر الألغام البرية.
وقد أرسلت المنظمة الدولية أكثر من 70 بعثة من قوات حفظ السلام إلى مختلف القارات والمهمات. ومما تفخر به مصر والعرب عموماً أن قوات حفظ السلام المصرية موضع تقدير دولي، نظراً لقدراتها وإمكاناتها، وتتم الاستعانة بها في إرساء السلام والاستقرار في البؤر المتوترة في العالم، وقد شاركت بنحو 2613 فرداً في البعثات الأممية المنتشرة في سيراييفو وساحل العاج والكونغو والصومال وأفريقيا الوسطى وأنغولا وموزمبيق وليبيريا ورواندا، وجزر القمر والصحراء الغربية وسيراليون والكونغو الديمقراطية وبوروندي ودارفور والسودان.
وقامت مصر في عام 1995 بإنشاء مركز القاهرة للتدريب على حل الصراعات وحفظ السلام في أفريقيا، ويتسع لنحو 200 طالب سنوياً. ومهمات قوات حفظ السلام عموماً إنسانية أكثر منها قتالية، إلا في حالات الدفاع عن النفس. وفي إحدى هذه المهمات فَقَد الأمين العام للأمم المتحدة السويدي داغ هموشولد حياته (1961) في الكونغو بتحطم طائرته في حادث أحاطت به الشكوك.
على أي حال بفضل «الفيتو» الروسي لا أحد يستطيع وقف الحرب الروسية - الأوكرانية إلا موسكو. واستمرار الولايات المتحدة بإمداد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة يطيل أمد الحرب، لكنه لا ينهيها. والأمم المتحدة ومجلس الأمن وقوات حفظ السلام لا تستطيع فعل شيء حاسم. وربما تتوسع دائرة القتال إلى فنلندا أو بولندا أو غيرهما مع الانفراد الروسي بقراري الحرب والسلام.
الدول الضعيفة معرضة لشنّ حرب عليها من أي دولة من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، التي معها سلاحان؛ الأول فيتو يمنع صدها إذا لجأت إلى الحرب، والثاني خزين من الأسلحة الذرية.
مطلوب من الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تكون أقوى من مجلس الأمن أو بمستواه، وأن تكون الحرب الروسية - الأوكرانية، مهما كانت نتائجها، سبباً لإعادة النظر في «الفيتو» الذي ينسف كلمة «السلام» التي تكررت فيه أكثر من 50 مرة.
والسؤال الآن؛ متى سنسمع أن قوات حفظ السلام الدولية سترفع أعلامها على الحدود الروسية - الأوكرانية؟