بقلم -جمعة بوكليب
قبل أسابيع قليلة من حلول الذكرى السادسة للعملية الإرهابية الانتحارية في مدينة مانشستر، التي نفذها متطرف إسلاموي، من أصول ليبية، يوم 22 مايو (أيار) 2017، وأدت إلى موت 22 شخصاً وجرح مئات، صدر يوم 2 مارس (آذار) الجاري الجزء الثالث من التحقيق، الذي بدأه السير جون سوندرز في عام 2019.
التقرير احتوى على ثلاثة أجزاء. الجزء الأول منه صدر يوم 22 يونيو (حزيران) 2021، وتعرّض إلى الكشف عن أوجه القصور في حراسة المبنى – مسرح الجريمة عموماً، وفي ليلة ارتكاب الجريمة خصوصاً. وتوصيات بما يجب اتخاذه من إجراءات مستقبلاً لمنع تكرارها. وصدر الجزء الثاني منه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 وتعرّض إلى أوجه القصور في خدمات أجهزة الإسعاف والطوارئ التي كلّفت بإنقاذ الجرحى ليلة الجريمة، وتوصيات بشأن تحسينها مستقبلاً. وفي يوم 2 مارس الجاري صدر الجزء الثالث والأخير تحت عنوان التطرف ومكافحته. التقرير الثالث صدر في جزأين. جزء متاح للاطلاع العام، وآخر سرّي لاحتوائه على معلومات، قيل إنها تمسّ الأمن القومي، كونه مكرساً لشهادات العديد من رجال الأمن من المختصين في محاربة الإرهاب.
العملية الإرهابية الانتحارية نفّذها شاب ليبي متطرف دينياً، اسمه سلمان العبيدي، بمساعدة من شقيقه المدعو هاشم العبيدي. هاشم هرب إلى ليبيا لكن السلطات الليبية قبضت عليه وأودعته الاعتقال، ثم سلّمته إلى السلطات البريطانية حيث حكمت عليه المحكمة بالسجن المؤبد.
التحقيق لدى صدوره، أثار ضجة إعلامية في بريطانيا، كما أثار غضب أهالي الضحايا، الذين طالب بعضهم بمعاقبة المسؤولين عن حدوث الكارثة. المسؤولون المقصودون هم العاملون في جهاز الأمن الداخلي البريطاني، المعروف اختصاراً باسم (إم آي 5 - MI5). أصابع الاتهام في تقرير السير جون سوندرز وُجهت مباشرة إلى قصور وإهمال واضحين لدى قيادات وكوادر وضباط الجهاز الأمني المذكور في أداء واجباتهم.
التقرير أكد أنه كان بالإمكان تجنّب الكارثة لو أن الجهاز الأمني قام بمسؤولياته المنوطة به على الوجه الأكمل، وكان بإمكانه القبض على الإرهابي واعتقاله وتفادي وقوع الجريمة، لأن الجاني تكرر ظهوره على رادار الجهاز أكثر من عشرين مرّة، من خلال علاقاته بمتطرفين معروفين. إلا أن التهاون والإهمال في تتبعه ورصده واعتقاله مكّناه من تنفيذ جريمته. وكان بالإمكان اعتقاله لدى عودته مباشرة من ليبيا قبل أربعة أيام من تنفيذ جريمته. ولم ينسَ التقرير النهائي كذلك التأكيد على أن الجاني كان على دراية ومعرفة بالشؤون الأمنية، وبالتالي تمكّن من خداع رجال الأمن. ومن المحتمل أنه تلقّى مساعدة من ليبيا، إلا أنه كان من غير الممكن التعرّف إلى الشخص أو الأشخاص الذين ساعدوه. وهذا الاستنتاج يعدّ الأول من نوعه في تحقيق رسمي يشير إلى احتمال تورط أشخاص آخرين من الخارج في عملية إرهابية داخل بريطانيا. واعتبر السير سوندرز أن مسجد ديزبري غير مسؤول عن عملية تحوّل الجاني إلى متطرف وإن كان مسؤولاً عن عملية تسييسه. وأن المسؤولية في تطرفه تقع على عاتق أسرة العبيدي. ويعتقد أن تحوّله إلى التطرف والإرهاب تمّ خلال فترة وجوده مع أفراد أسرته في ليبيا.
الاتهام المباشر بالتقصير لواحد من أكبر الأجهزة الأمنية السرية البريطانية كان مدعاة لقلق عديدين. الأمر الذي دعا رئيس الجهاز إلى التحرك سريعاً، على أمل امتصاص الغضب، بالتعبير عن أسفه لفشل الجهاز في منع حدوث الجريمة. وأكد أن الجهاز قام بتعديل وتصحيح وتحسين أدائه بما يضمن عدم تكرار الأخطاء التي وقعت يوم 22 مايو 2017.
التقرير النهائي، في جزئه غير المتاح للجمهور، حجب الكثير من المعلومات عن أهالي الضحايا وممثليهم القانونيين، مما تسبب في غضب العديدين منهم، لأنهم لن يعرفوا التفاصيل الكاملة للجريمة. واكتفت الحكومة البريطانية في تعليقها على التقرير بقولها، عبر ناطق رسمي: إنها سوف تنظر في نتائج التقرير قبل أن تقرر وتصدر ردها بشكل رسمي وكامل. إلا أن تقارير إعلامية صدرت خلال عطلة الأسبوع المنقضي تحدثت عن لجوء بعض أفراد أهالي الضحايا إلى مكتب محاماة مشهور، بغرض رفع دعوى قضائية ضد جهاز إم آي 5، بتهمة التقصير في حماية مواطنين أبرياء. مما يعدّ سابقة غير معهودة في التاريخ البريطاني. وينظر مكتب المحاماة الموكل عن أهالي الضحايا في إمكانية رفع دعوى ضد الجهاز وفقاً للمادة 2 من قانون حقوق الإنسان، المتعلقة بواجب الدولة في حماية أفراد المجتمع.