بقلم - جمعة بوكليب
سواء اتفقنا أو اختلفنا مع الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي عن الحزب الجمهوري للرئاسة دونالد ترمب، فإنَّ حكم الإدانة الصادر مؤخراً عن هيئة المحلفين بمحكمة جنائية - نيويورك، والأول من نوعه في التاريخ، أدخل أميركا ونظامها السياسي والقضائي في متاهة غير معروفة من قبل، وبتداعيات لا يحتمل لها أن تكون إيجابية، خاصة أنَّه جاء على بعد مرمى حصاة من موعد الانتخابات الرئاسية، في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وما حدث مؤخراً بالمحكمة في مدينة نيويورك، يعدّ، بكافة المقاييس والمعايير، حدثا تاريخياً. إذ لم يسبق لرئيس أميركي سابق، ورئيس محتمل بعد شهور قليلة، أن وضع في قفص اتهام أمام قاض وهيئة محلفين ومحامين وشهود، وأدين بكافة التهم ضده. لكنها أميركا، أكبر قوة عسكرية واقتصادية عرفها العالم. وبالتالي، فإنَّ الصدع في جدارها الصلد من جراء الحكم بالإدانة من الضرورة أن تكون له تداعيات سلبية على مستويات عديدة أخرى، ربما ليس من السهل التنبؤ بدرجة قوتها، ولكن من المستحيل، في الوقت ذاته، تجاهلها.
وبناء على ما نشر من تقارير إعلامية، وما أدلى به خبراء القانون من آراء، فإنَّ الرئيس السابق والمرشح الحالي للرئاسة دونالد ترمب لن يواجه عقوبة السجن. وبدلاً من ذلك، من الممكن أن تحل مكان العقوبة عقوبات أخرى مثل دفع غرامة مالية، أو القيام بخدمة اجتماعية، أو الاثنين معاً. حدث ذلك من قبل في إيطاليا، على مستوى سياسي أقل قليلاً، حينما قضت محكمة إيطالية بإدانة رئيس الحكومة الأسبق الراحل بيرلسكوني بتهم التهرب من دفع ضرائب. وبدلاً من السجن قضت بتغريمه مالياً وبأداء خدمة اجتماعية. وبالفعل، نفّذ السيد الحكم، وظهرت صوره في وسائل الإعلام الدولية وهو منهمك في جمع القمامة في الشوارع بهمّة ونشاط.
لكن دونالد ترمب، ليس بيرلسكوني. وأميركا ليست إيطاليا. وإذا كان خبر حكم الإدانة قد أشاع الفرح والبهجة في الأوساط الأميركية والغربية المناوئة للسيد ترمب، فإنه، من جهة أخرى، سيزيد في إضرام نار الغضب في قلوب الملايين من أنصاره. ويزيد في ترسيخ قناعاتهم بأن الحكم مؤامرة قصد بها الحؤول بين ترمب والعودة إلى البيت الأبيض. وأظننا سنشهد في الأيام القادمة الكثير من الأحداث، والتي من الممكن أن تكون بسوء ما شاهدناه منقولاً على الهواء مباشرة يوم السادس من يناير (كانون الثاني) 2021.
ووفق ما يقوله خبراء القانون في أميركا، فإن الحكم القضائي بالإدانة لن يحول بين ترمب والترشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري يوم 5 نوفمبر المقبل. بل وبإمكانه، في حالة صدور حكم بتنفيذ عقوبة السجن، أن يمارس مهامه من داخل السجن! إلا أنّ هناك طريقاً طويلة من الإجراءات القانونية، يستلزم استكمالها، وأهمها وأكثرها تعقيداً عمليات الطعن في الحكم، والمرور بمراحل محاكم الاستئناف، وقد تستغرق سنوات.
ذلك أنَّ السيد ترمب وفريقه القانوني أعلنوا عن عزمهم الطعن في الحكم الصادر ضده. ومن هناك، تبدأ عملية إجرائية قانونية معقدة وطويلة، من الممكن أن تنتهي أمام المحكمة العليا. وأنَّ أول نظر في طلب الاستئناف يستغرق شهوراً. وهذا يعني أن ترمب سيدخل الانتخابات النهائية. لكن في حالة نجاحه فيها، لن يكون بإمكانه قانونياً، كرئيس للولايات المتحدة إصدار عفو لنفسه، كون الحكم بإدانته لم يصدر عن محكمة فيدرالية، بل ولائية، أي عن محكمة تقع في ولاية نيويورك.
مكتب النيابة العامة رصد عدد 34 مخالفة قانونية بتزوير مستندات في حسابات شركات ترمب، تغطية لمبالغ مالية دفعها محاميه إلى ممثلة أفلام إباحية. ونجح ممثل النيابة في المحكمة في إقناع هيئة المحلفين بإصدار حكم بإدانته بكل التهم. وهذا ليس نهاية الأمر. أمام ترمب دعاوى قضائية أخرى مرفوعة ضده في ولايات أخرى، وبعضها أكثر خطورة، وبأدلة موثقة، حسبما تقول التقارير الإعلامية.
وبين أنصار لن تحركهم الإدانة القضائية الأخيرة، بل ستزيدهم قوة وثباتاً، ومناوئين قد تبدو لهم نهاية ترمب سياسياً قد دخلت فعلياً مرحلة البداية، هناك ناخبون آخرون، يملأون الفراغ بين الجانبين متأرجحين، ولم يقرروا بعد إلى أي من المرشحين سينحازون، ويدلون بأصواتهم. أعدادهم كبيرة، من الممكن، استناداً إلى المعلقين، أن ترجح كفة أي مرشح في نوفمبر المقبل.
المرشح ترمب، حسب ما رأينا وعرفنا، من طينة مختلفة، ومقاتل عنيد، ومن الصعوبة بمكان الإلقاء به خارج ساحة المعركة إلا ميتاً. واستبيانات الرأي العام قبل المحاكمة تؤكد على تقدمه في النقاط على غريمه بايدن. وبعد صدور حكم الإدانة، يقف الجميع حالياً في حالة ترقب، منتظرين ما ستظهر به عليهم من نتائج استبيانات الرأي العام.