بقلم -جمعة بوكليب
يوم الثلاثاء الماضي، الموافق 28 مارس (آذار) 2023، كان، بكافة المقاييس، يوماً تاريخياً، سجل تنصيب أول رئيس مسلم لأمة أوروبية (أسكوتلندا)، يبلغ عدد سكانها 5.4 مليون نسمة. السيد حمزة يوسف، يبلغ من العمر 37 عاماً، من أصول باكستانية، انتخب زعيماً لحزب أسكوتلندا القومي، وأضحى رئيساً لحكومتها الائتلافية، بعد 8 سنوات من زعامة السيدة نيكولا ستورجن.
قبل وصول السيد يوسف إلى منصب الوزير الأول لأسكوتلندا، انتخب حزب العمال السيد أنس سروار، وهو أيضاً باكستاني الأصل مسلم الديانة، ليكون رئيساً لحزب العمال في أسكوتلندا، ويقود مع حزب المحافظين المعارضة ضد الائتلاف الانفصالي الحاكم ممثلاً في الحزب القومي الاسكتلندي، وحزب الخضر الاسكتلندي.
السيد يوسف شغل، في السنوات الماضية، مناصب وزارية عديدة في الحكومة الاسكتلندية. وفاز في انتخابات زعامة الحزب بنسبة أصوات تبلغ 52 في المائة مقابل 48 في المائة كانت من نصيب منافسته السيدة كيت فوربس، مرشحة يمين الحزب. النسبة الضئيلة الفاصلة بين المترشحين للرئاسة تعني أن الحزب القومي الاسكتلندي، يعاني من داء انقسام. وهو داء متوطن في الأحزاب التي تمكث في الحكم لفترة طويلة، ومن ضمنها الحزب القومي الاسكتلندي، الذي بدأ الحكم في عام 2007.
خلال الحملة الانتخابية على خلافتها، اختارت السيدة ستورجن الوقوف على الحياد، بين المترشحين الثلاثة. وتركت لقيادات وكوادر الحزب حرّية الاختيار. السيد يوسف حظي بدعم المؤسسة الحزبية. وكشفت المناظرات بين المتنافسين، خلال الحملة الانتخابية، عن شدة الانقسام المستفحل في الحزب، بين اليسار واليمين. واتهمت المترشحة كيت فوربس المؤسسة الحزبية بالتواطؤ ضدها، بسبب التزامها بمبادئ عقيدتها الدينية المتعارضة مع توجهات الحزب السياسية، خاصة المتعلق منها بالموقف من قضايا الجندر، والزواج المثلي.
المعركة الانتخابية حُسمت. وبدأ الحزب القومي الاسكتلندي، وأسكوتلندا، مرحلة جديدة، تحت قيادة زعيم مسلم. الآن، على الزعيم الجديد حمزة يوسف الإيفاء بتعهداته لكوادر الحزب، بالحفاظ على استمرار شعلة المطالبة بالاستقلال متقدة، حتى الوصول إلى الهدف. وتعهداته للشعب الاسكتلندي، بتحسين مستوى الخدمات، ورفع مستوى المعيشة، ومكافحة الجريمة، وانتشار المخدرات. أعلى نسبة وفيات من تعاطي المخدرات توجد في أسكوتلندا.
بهجة اختيار السيد حمزة يوسف ليكون الزعيم للقوميين ورئيساً للحكومة، لم تقتصر على الانفصاليين الاسكتلنديين، بل طالت أيضاً أنصار البقاء في الاتحاد البريطاني، ممن صوتوا في استفتاء عام 2014 ضد الانفصال، وهم أكثرية (55 في المائة مقابل 45 في المائة). أنصار البقاء أيقنوا عقب خروج السيدة ستورجن غير المتوقع من المسرح السياسي، أن اتجاه الرياح تغيّر لصالحهم، وليس عليهم الآن سوى فرد أشرعة مراكبهم لتنطلق.
التقارير الإعلامية البريطانية على اختلافها تتفق على أن التغيرات الأخيرة في قيادة الحزب القومي الاسكتلندي، وما أحدثته من انقسام، سوف تنعكس سلبياً على حظوظ الحزب انتخابياً. وتشير أيضاً إلى احتمال استعادة حزب العمال لعدد 10 مقاعد برلمانية من الحزب القومي الاسكتلندي، في الانتخابات المقبلة. وللعلم، قبل انتخابات عام 2010 كان لدى حزب العمال 41 نائباً برلمانياً في «ويستمنستر»، يمثلون دوائر انتخابية في أسكوتلندا. وحالياً، يوجد نائب واحد فقط، آخذين في الاعتبار أن الرئيس الجديد لا يحظى بشخصية كاريزمية كسلفه، وأن شعبيته متدنية جداً بين الناخبين الاسكتلنديين، بسبب سوء إدارته للمهام الوزارية المسندة إليه في السابق، وآخرها القطاع الصحي، مما انعكس سلبياً على شعبية الحزب القومي الاسكتلندي.
ما يميّز الحركات الاستقلالية، أينما كانت، أنها شعبوية ودوغمائية. وخطابها السياسي أحادي النبرة، يؤكد على أن حل كل المشاكل الحياتية يتوقف على تحقيق الاستقلال، وامتلاك السيادة. وسيرة الحزب القومي الاسكتلندي خلال توليه الحكم المحلي في أسكوتلندا منذ وصوله إلى السلطة، لا تخرج عن السياق المذكور، إلا أن تجربة الحزب خلال فترة تولي السيد اليكس سالموند، والسيدة نيكولا ستورجن، زعامة الحزب ورئاسة الحكومة، على التوالي، برهنت على أن تحقيق الحلم بالانفصال عن الاتحاد البريطاني، وتكوين دولة اسكتلندية مستقلة، ليس سهل المنال، في وجود أكثرية تفضل البقاء. وقد يفسر ذلك الاستقالة المفاجئة للسيدة ستورجن، نتيجة شعورها بالإحباط من الفشل المتتالي في تحقيق حلم الاستقلال، بسبب المطبات والعراقيل القانونية. آخرها كان حكماً قضائياً من أعلى محكمة بأسكوتلندا ضد مناورتها الرامية لإجراء استفتاء ثانٍ، بعد رفض حكومة لندن عقده. السيدة ستورجن حاولت الالتفاف على الرفض، وجادلت بأن حصول حزبها على 50 في المائة من الأصوات في الانتخابات المقبلة، يعد بمثابة استفتاء ثانٍ على الاستقلال. المحكمة رفضت الدعوى المرفوعة منها، وحكمت بضرورة موافقة الحكومة في لندن.
ماذا يستطيع السيد يوسف فعله لتوحيد الحزب؟ منافسته على الزعامة كيت فوربس رفضت الانضمام إلى وزارته الجديدة؛ لكونه عرض عليها منصباً وزارياً (وزيرة الشؤون الريفية) أقل شأناً ووزناً سياسياً من منصبها السابق (وزيرة المالية). وخروجها سيقود إلى حالة غضب بين أنصارها، وهم يمثلون قرابة نصف كوادر الحزب (عدد أعضاء الحزب نحو 50 ألفاً). وبذلك، بدأ الزعيم الجديد حقبته، ليس بتوحيد الحزب كما تعهّد، بل بتعميق الانقسام.