بقلم - جمعة بوكليب
المتابعة اليومية الراصدة لما ينشر من مقالات وتعليقات وتحليلات في وسائل الإعلام الغربية، عن الحرب الدائرة حالياً في قطاع غزة، بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وقوات حركة «حماس» الفلسطينية الإسلامية، تقود إلى ملاحظة مهمة، وهي أن كثيراً من المحللين والمعلقين لا يخفون دعمهم وتعاطفهم للمحتل الإسرائيلي، وفي ذات الوقت، يتعمدون، في أغلب الأحيان، القفز على الحقائق من خلال تشبيه حركة «حماس» بـ«الدولة الإسلامية»، وبغرض مزدوج يتمثل في تأليب الرأي العام الغربي ضدها، وتبرير الضربات الجوية الإسرائيلية على الأحياء المدنية في غزة، وتهجير السكان وحرمانهم من الماء والوقود والدواء.
الدعم الغربي لإسرائيل، على المستويين الرسمي والإعلامي، ليس جديداً، ولا مفاجئاً. الجديد وغير المتوقع تغاضي الساسة ووسائل الإعلام عن الانتهاك المتواصل للقانون الدولي، الذي وظّف بكثافة ضد روسيا لدى اجتياحها الأراضي الأوكرانية، مضافاً إليه صمت متواطئ حول ما يرتكب من جرائم ضد الإنسانية.
المحللون والمعلقون الغربيون، سواء فيما يكتبونه وينشرونه من تحليلات، أو ما يخوضون فيه من تعليقات، في برامج إخبارية مسموعة أو مرئية، يتعمدون عدم ذكر حقيقة مهمة، وهي أن «حماس» حركة مقاومة مسلحة ضد احتلال، ولدت ونشأت وكبرت داخل إطار حركة مقاومة أكبر وأقدم، هي المقاومة الفلسطينية، التي في التصنيف السياسي العام توضع في خانة حركات التحرر من الاحتلال والاستعمار.
ما يميز «حماس» عن غيرها من الحركات الفلسطينية الأخرى هو تميزها العقائدي، بكونها حركة إسلامية المنشأ والتوجّه، مثلما «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» حركة يسارية ماركسية المنشأ والتوجّه. الاختلاف العقائدي لا ينفي الصفة التحررية. في حين أن منظمات وحركات جهادية إسلامية مثل «القاعدة»، و«داعش» بمسمياتها العديدة، لا تملك تلك الصفة، كونها تكفيرية، وتدعو إلى جهاد مقدس ضد كل من يخالف عقيدتها، على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول. أضف إلى ذلك أن «حماس» ولدت في قطاع غزة، وعلى أرض فلسطين وبقيادات وكوادر فلسطينية، وبهدف مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، وتمكنت منذ عام 2007 من تأسيس حكومتها في القطاع، ولها إداراتها ومؤسساتها الحكومية المختلفة وشرطتها وقواتها العسكرية.
يلاحظ المرء من خلال المتابعة اليومية الراصدة لما ينشر ويذاع ويبث اعلامياً، وفي مختلف منصّات التواصل الاجتماعي، وجود هوة تتسع باستمرار الحرب، في الموقف من الحرب الدائرة في غزة، بين الشعوب الغربية وحكوماتها. التعبير الواضح لهذين الموقفين المتعارضين، ربما يبدو أكثر وضوحاً في الساحة البريطانية، حيث تقف الحكومة في ضفة مؤيدة لإسرائيل، ومنحها صكّاً على بياض فيما يرتكب من مجازر، تحت زعم حق الدفاع عن النفس، وإن تعارض ذلك مع القوانين الدولية، ويقابلها، في ضفة أخرى، رأي عام بريطاني يعبر عن موقفه في منصّات التواصل الاجتماعي، وفي مسيرات شعبية أسبوعية، لم تشهدها المدن البريطانية منذ فترة الحرب ضد العراق.
وثالثاً، إن تاريخ 7 أكتوبر (تشرين الأول) سيكون علامة تاريخية بارزة، وخطاً فاصلاً بين مرحلتين تاريخيتين في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني؛ مرحلة ما قبل حرب أكتوبر 2023، ومرحلة ما بعد حرب أكتوبر 2013. أي أن القضية الفلسطينية، بوجه عام، ستدخل في منعطف آخر، قد يقود في أسوأ الاحتمالات إلى تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل، والقضاء على تطلعات الشعب الفلسطيني في حقه أن تكون له دولة. ومتى تحقق ذلك، يأتي الدور على «حزب الله» في جنوب لبنان. وفي أفضل الاحتمالات، قد يقود إسرائيل إلى العودة إلى طاولات التفاوض بنية إيجاد مخرج نهائي يضمن للإسرائيليين وللفلسطينيين العيش في سلام في دولتين جارتين. تحقق الاحتمال الثاني لن يتم إلا بخروج لاعبين أساسيين في المرحلة السابقة. في المقدمة يأتي بنيامين نتنياهو وحزب الليكود، ويليهم قادة الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي المتطرف. وفي الطرف الفلسطيني من المحتمل جداً إسقاط «حماس» من المعادلة، وغيابها في الترتيبات المحتملة في المرحلة المقبلة.
ورابعاً، فإن الحرب الحالية قد تفضي إلى القضاء عسكرياً على حركة «حماس»، وتوفير الأمن للمستوطنين الإسرائيليين، لكنّها لن تقود إلى السلام. الأمن شرط واجب لتحقق السلام. وفي ذات الوقت، فإن الحرص على توفير الأمن وحده لا يحقق السلام، في غياب الإرادة السياسية.
وسلام إسرائيل الدائم والمنشود لا يتحقق بالحرب، وبالقضاء على «حماس» عسكرياً، أو بوضع نهاية لآمال الشعب الفلسطيني في العيش بكرامة في دولة مستقلة. السلام الإسرائيلي المأمول والمنشود لن يتحقق من دون موافقة فلسطينية. وما لم يتحقق ذلك، قد تختلف الظروف، وتتغير الوجوه، إلا أن السلام المأمول لن يجد له مكاناً في القلوب وعلى الأرض.