إسبانيا الميكافيللية باقية

إسبانيا... الميكافيللية باقية

إسبانيا... الميكافيللية باقية

 العرب اليوم -

إسبانيا الميكافيللية باقية

بقلم - جمعة بوكليب

 

من يظن أن الميكافيللية السياسية تتعارض مع القيم والأخلاق والمبادئ يُنصح جِدياً بإعادة النظر في الأمر، ومراجعة الحسابات، ومتابعة ما يحدث في دنيانا من تقلبات وتطورات سياسية.

الأصلُ في السياسة الحكمُ، وامتلاكُ صنع القرار. والطرقُ التي لا تقود إلى تلك الغاية، مهما ارتقت قيمتها أخلاقياً، لا مكان لها في واقع الصراع على السلطة. لذلك السبب، مَن منا يجرؤ على لوم رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز على ما فعله مؤخراً، من أجل تطويل الإقامة في القصر الرئاسي 4 سنوات أخرى؟

السيد سانشيز، واقعياً، لم يفعل شيئاً لا يفعله الساسة الآخرون، في مختلف بقاع العالم. وإذا كانت تهمته أنه بلع «عيني عينك» تصريحات سبق له التفوه بها، وبالفم المليان، أمام وسائل الإعلام، فهذا، فعلياً، لا يعني شيئاً. إذ لو حُوسب أهل السياسة على ما يقولون فقط، لما بقي منهم أحد. الأقوالُ والتصريحات، في الغابة المسماة سياسة، لا يُعوَّل عليها كثيراً. والسياسي الشاطر، أي مَن سيذكره التاريخ، هو الذي يحافظ على ثبات رأسه فوق كتفيه، ويُبقي مقاليد الأمور بين يديه، إلى أن يقرر هو، بمحض اختياره، الانسحاب من الحلبة في الوقت المناسب، أي قبل أن تنطحه الثيران.

السيد سانشيز أثار غضب أحزاب المعارضة الإسبانية، بل وحتى بعض أنصار حزبه الاشتراكي، وخرج آلاف المتظاهرين في شوارع مدريد وغيرها من المدن الإسبانية يتهمونه بالخيانة، وبالتقليل من شأن القضاء الإسباني. والسبب: لأنه حين وجد نفسه مُلزَماً بالاختيار بين البقاء في منصبه 4 سنوات أخرى، أو العودة إلى مقاعد المعارضة في البرلمان، انحاز إلى الخيار الأول، ورضي بدفع الثمن.

الثمنُ هو هذه المظاهرات الغاضبة التي غصَّت بها الميادين في مدريد، وبرشلونه عاصمة كتالونيا معقل الانفصاليين، وغرناطة، وإشبيلية وبقية المدن الأخرى، يوم الأحد المنقضي، تصفه بأشنع الصفات، وتطالب برأسه؛ كونه تجرأ وأصدر عفواً رئاسياً عن كل الانفصاليين الكتالونيين الهاربين من عقاب القانون (يُقدر عددهم بـ1400 شخص) وعلى رأسهم رئيس حزب انفصالي يساري كتالوني، قاد حركة الاستقلال أحادي الجانب في كتالونيا عام 2017، ثم فر هارباً إلى بلجيكا. الاتفاق بين الحزب الاشتراكي الإسباني، وحكومة كتالونيا اليسارية لا يقتصر فقط على إصدار عفو عام على المشاركين في أحداث 2017، بل يشمل أيضاً إعفاء كتالونياً من كل الديون المتأخرة واجبة السداد للحكومة المركزية، ومنحها صلاحيات فرض ضرائب، وتسريع عمليات البحث عن طريق تعود بالحكومة المركزية في مدريد والحكومة الكتالونية إلى مناضد التفاوض حول الاستقلال.

المسألة إذن لا تقتصر على إصدار عفو عام، بل تقوم على تقديم تنازلات سياسية ما كان يحلم الانفصاليون بالحصول عليها، وكل ذلك مقابل منح السيد سانشيز 7 أصوات برلمانية تضمن بقاءه مع حزبه في الحكم.

غضب زعماء أحزاب المعارضة الإسبانية، وعلى رأسهم الحزب الشعبي المحافظ متوقَّع؛ ذلك أن مناورة السيد سانشيز حرمتهم من تشكيل الحكومة، بعد فوزهم في انتخابات شهر يوليو (تموز) الماضي، بعدد مقاعد أكثر من أي حزب آخر.

وما حدث هو أن السيد سانشيز، في جواب له عن سؤال في وقت سابق، حول إمكانية عقد اتفاق مع رئيس الحزب الكتالوني الهارب من عقاب القانون في بلجيكا، قال إن ذلك غير ممكن، وغير دستوري. إلا أنه، حين حانت الساعة، تراجع، وغيَّر رأيه، ووجد أن بقاءه في الحكم مشروط ببلع تصريحه السابق ذكره، وكأنه لم يكن. ومن الأخير، فعل السيد سانشيز ما يمليه المنطق السياسي، وما يفعله أهل السياسة، وطبَّق ما سبق للراحل الإيطالي ميكافيللي أن أوصى به، في كتابه «الأمير» من وصايا، أهمها وأغلاها وأكثرها انتشاراً: «الغاية تبرر الوسيلة».

وهو بفعله ذلك يعلم مسبقاً أن صحافة اليمين ستفتح أبواب جهنم عليه، وتشويه حياً بنيرانها بلا رحمة. ويعلم كذلك أن الطُهرانيين من أنصار حزبه لن يأتمنوه مستقبلاً، مهما فعل لهم. كل ذلك جزء من فاتورة الثمن المدفوعة لقاء البقاء في الحكم. وحسناً فعل، وإلا كان ملزماً، قانونياً ودستورياً، بخوض معركة انتخابية مرة أخرى، ولا ضمان له بربحها. والأهم من ذلك أن الحزب الشعبي المحافظ، رغم فوزه بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية في الانتخابات الأخيرة، لن يجد له ولحلفائه من الأحزاب الشعبوية المتطرفة مكاناً تحت قبة البرلمان سوى على مقاعد المعارضة.

فهل نلوم السيد سانشيز على ما فعل، أم نتعاطف مع منتقديه؟ والأهم من ذلك: هل تربح إسبانيا ببقاء الاشتراكيين في الحكم، مع حلفائهم في البرلمان من الأحزاب اليسارية والانفصالية في كتالونيا، أم أنها كانت ستصبح في وضع أفضل تحت حكم ائتلاف يقوده الحزب الشعبي اليميني، مع حلفائه من الشعبويين المتطرفين؟

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسبانيا الميكافيللية باقية إسبانيا الميكافيللية باقية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab