عن الحيادِ والموضوعيةِ والأوطان

عن الحيادِ والموضوعيةِ والأوطان

عن الحيادِ والموضوعيةِ والأوطان

 العرب اليوم -

عن الحيادِ والموضوعيةِ والأوطان

بقلم : جمعة بوكليب

 

مهما اختلفَ كُتّابُ الرأي والمعلقون والمحللون في آرائهم وأفكارهم ومواقفهم من قضايا الشأن العام أو الشأن الدولي، تظل الموضوعية أساساً وشرطاً يجمعهم في خيط واحد، مثل حبّات خرز بألوان وأحجام مختلفة يضمّها عِقدُ.

ذلك الأساسُ يشترطُ، على كل واحد منهم، الحرص على تفادي الخلط بين مشاعره ومواقفه الشخصية، ومعطيات الشأن الذي يخوض فيه بالتحليل والتعليق. ويحدث ذلك من خلال التيقظ الدائم في المحافظة على وجود مسافة مناسبة من الحدث محلّ التحليل لا يتجاوزها، تتيح له/لها القدرة على تقديم قراءة بعيدة عن الأهواء والعواطف الشخصية.

ذلك الشرطُ - الأساسُ، أحياناً، لا تُتاح له فرصة التحقق أحياناً، بسبب شدة الارتباط بين الكاتب/المعلق/المحلل وموضوعه. وحين يحدث ذلك، تأخذ الموضوعية المطلوبة تعريفاً أو منحىً مختلفاً. نلاحظ ذلك حين يخوض الكُتّاب والمعلقون بآرائهم في قضايا أوطانهم، خصوصاً في أوقات الأزمات.

إنَّ المرء يلاحظ من خلال ما أكتبه وأنشره من آراء في هذه الصحيفة، وعلى وجه الخصوص المتعلق منها بالوضع في بلادي ليبيا. ويبدو أن شدة الغضب أحياناً مما يحدث فيها من كوارث ومصائب ومهازل، وفي الوقت ذاته، شدّة الحبّ لها ممزوجة بشدة الخوف عليها، تجعلانني، من دون قصد، وبعفوية، أتخلى عن حرصي في الوقوف على مسافة معقولة مما يحدث، ورصد اللوحة من بعيد، وتبيّن تفاصيلها. وأنا هنا لا أعتذر عن ذلك، عملاً بقوله تعالى: «لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها».

لا أظنني الوحيد في ذلك من بين كُتّاب الرأي والمعلّقين؛ لأن الكتابة أو التعليق على قضايا الوطن، في رأيي، تختلف عن تلك المتعلقة بشأن آخر. وتأتي في العادة مختلطة بحرارة عواطف القلوب ومشاعرها، لإحساسنا أن ما يحدث في بلداننا من أزمات وتطورات أحداث يطولنا سلباً وإيجاباً، حتى ولو كنّا نعيش على بُعد آلاف الأميال منها، وأننا لو لجأنا إلى لجم مشاعرنا وأحاسيسنا، وأخفينا مواقفنا نكون كمن يرتكب جرماً في حقّ نفسه وشعبه. هذا أولاً.

أما ثانياً، فإن الكاتب، شئنا أم أبينا، لا يستطيع في رأيي الوقوف على الحياد فيما يحدث في بلده. أي أننا، بصفتنا كُتّاباً، إما أن نقف معه ونؤيده، وإما أننا نقف منه موقف المعارض ونناوئه. ومن الأخير، أرى أنه لا مكان للحياد فيما يجري في أرض الوطن. الوفاء والانتماء لبلادٍ وأهلٍ، في بقعة جغرافية معينة، يتطلبان ويحتّمان ذلك.

الحيادُ، والوقوف على مسافة ليست قريبة جداً، من حدث معيّن مراعاة للموضوعية، في رأيي، لا يدخلان في مسائل وقضايا يكون الوطن فيها عرضة لخطر الانقسام، وعلى سبيل المثال لا الحصر، كما هو الحال في ليبيا الآن.

وبالتأكيد، ما ذكرناه لا يعني كذلك أننا نتخلّى عن الموضوعية كليّة. الموضوعية في سياق الوطن، تأخذ منحى آخر يعني الانحياز إلى الوطن وإلى أناسه، بالوقوف على مسافة متساوية من جميع أطراف الخصومة، مع عدم التهاون في إدانة الأطراف التي تستحق الإدانة، والبحث عن النقاط المضيئة في كل أزمة ولفت الأنظار إليها، بهدف توسيع مناطق الالتقاء، وكذلك التحذير من الأخطار والتهويل من شرورها بالتضييق من مناطق الاختلاف. وحثّ كل الأطراف دوماً على نهج طريق تقود إلى تجسير الاختلافات، وتحقيق التقارب. وكل ذلك يتم بلغة وبأسلوب يعبّران صريحاً عن المطلوب، وبلا مواربة أو تزلّف. ذلك أن التحفظ في إبداء العواطف والمشاعر في مسائل تخصّ الوطن، لمن في مستطاعه ذلك، ربما يكون نافعاً أحياناً، إلا أنه يكون غير مجدٍ في أغلب الأحيان. لأن مصالح الوطن تقترب جداً من المصالح الشخصية. والدفاع عنها دفاعٌ عن النفس.

الموضوعية في قضايا وأزمات الوطن، هي أن ينحاز الكاتب إيجابياً إلى وطنه، وألّا يخون أهله، بدفن رأسه في الرمل كما تفعل النعامة. وهي كذلك ألا يهادن طرفاً على حساب آخر أو آخرين، بنيّة كسب مصالح شخصية، قد تعود عليه بالنفع آنياً، والخسران لاحقاً.

arabstoday

GMT 10:16 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

المُنقضي والمُرتجَى

GMT 10:15 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 10:14 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

وجهة نظر مختلفة في قانون المسئولية الطبية

GMT 10:08 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

2025.. الإجابات

GMT 10:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صلاح 9 أم 10 من 10؟

GMT 10:04 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الصراع على سوريا.. أين نقف بالضبط؟

GMT 10:01 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الذكاء الاصطناعي مطوعا في هيئة الأمر بالمعروف

GMT 09:59 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

جيمي كارتر... قصة نجاح وقصة فشل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الحيادِ والموضوعيةِ والأوطان عن الحيادِ والموضوعيةِ والأوطان



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:22 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

9 إطلالات رياضية أنيقة من نجمات الموضة
 العرب اليوم - 9 إطلالات رياضية أنيقة من نجمات الموضة

GMT 04:34 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

بشار الأسد يُصنَّف كأكثر الشخصيات فساداً في العالم لعام 2024
 العرب اليوم - بشار الأسد يُصنَّف كأكثر الشخصيات فساداً في العالم لعام 2024

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الكتاتيب ودور الأزهر!

GMT 06:35 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

واتساب يوقف دعمه لأجهزة أندرويد قديمة بدءًا من 2025

GMT 18:43 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

فيروز على أعتاب تكريم جديد بجائزة النيل لعام 2025

GMT 01:29 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.5 درجة على مقياس ريختر يضرب إيران

GMT 00:29 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

إصابات في انفجار سيارة مفخخة في ريف مدينة حلب السورية

GMT 04:10 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

8 قتلى في غارة على منزل شمالي غزة

GMT 20:14 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الإمارات تحتفل بعام 2025 بعروض ألعاب نارية وفعاليات مبهرة

GMT 05:34 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

ليفربول يرفض بيع أرنولد إلى ريال مدريد في يناير

GMT 11:22 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

قصف إسرائيلي على خان يونس يقتل 3 فلسطينيين ويصيب آخرين

GMT 05:31 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

باريس سان جيرمان يستهدف فلاهوفيتش من يوفنتوس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab