بقلم:جمعة بوكليب
نحن على بعد أسابيع قليلة من قدوم فصل الربيع. ولعلها المرّة الأولى التي لا يترقب فيها العالم قدومه ببهجة وفرح، لاقترانه بوعيد تصاعد مؤكد في وتيرة الحرب في أوكرانيا. الأوكرانيون والروس، على السواء، حشدوا قواتهم استعداداً لهجوم الربيع. الأوكرانيون هدفهم شنّ هجوم مضاد يحقق هزيمة الجيش الروسي، ويضمن استعادة ما فقدوا من أراضٍ. والروس هدفهم شنّ هجوم أخير، ينزل هزيمة ماحقة بالقوات الأوكرانية، ويوطد وجودهم في أوكرانيا إلى الأبد.
الاستعدادات لهجوم الربيع، بدأت، في الأسبوع الماضي، ليس على خطوط التماس في الجبهات الحربية، بل في ألمانيا. وزراء دفاع يمثلون عدد 54 دولة، بقيادة أميركا، التقوا في مدينة رامستين، وتعهدوا جميعاً بتزويد حكومة كييف بما تحتاج إليه من أسلحة ثقيلة وذخائر وعتاد، ضرورية لنجاح الهجوم الأوكراني المضاد. واستناداً إلى تقارير إعلامية، فإن المساعدات العسكرية الموعودة غير مسبوقة، من حيث الحجم والنوعية. وتشمل أحدث ما أنتجته المصانع الغربية العسكرية من أسلحة. هولندا أبدت استعدادها لإرسال طائرات مقاتلة.
ألمانيا، البلد المضيف، كانت محط ضغوطات سياسية هائلة في ذلك اللقاء، لترددها في الاستجابة للطلب الأوكراني بإرسال دبابات ألمانية (ليبوبارد 2)، وصفت بكونها أساسية لنجاح الهجوم الأوكراني القادم، لما تحظى به من امتيازات ميدانية. لكن المستشار الألماني شولتز اشترط موافقته بموافقة واشنطن على إرسال شحنة مماثلة من دبابات أميركية الصنع (أبراهام). وتقول واشنطن إنها ثقيلة وغير مناسبة لمسرح العمليات العسكرية في أوكرانيا، وشديدة التعقيد تقنياً. والحقيقة هي أن تردد المستشار الألماني في الاستجابة للطلب، كان وليد خوف من استفزاز موسكو، لأنها ستعتبر موافقته على منح الدبابات، ضوءا ألمانيا أخضر على التصعيد العسكري الغربي ضدها.
وفي تبريره لموقفه، قال المستشار الألماني، إنه يرفض إرسال الدبابات الألمانية إلى كييف، كي لا تتحول الحرب بين كييف وموسكو، إلى حرب بين دول حلف الناتو وموسكو. التردد الألماني أغضب العديد من حاضري اللقاء. وزير الدفاع البولندي صرح بأن بلاده ستضطر إلى إرسال ما لديها من دبابات ألمانية إلى أوكرانيا، ومن دون الحاجة إلى الحصول على موافقة حكومة برلين، كما يقتضي العقد المبرم بين البلدين، في حالة إصرار المستشار الألماني على رفض الموافقة على منح كييف ما تحتاج إليه من دبابات.
هناك أسئلة لا يمكن للمراقب المحايد تجاهلها، وعلى سبيل المثال: ما حاجة كييف إلى الدبابات الألمانية، إن توفر البديل من مصادر أخرى، مضافاً إلى ما ستسلمه من شحنات غير مسبوقة من أسلحة وعتاد متطور؟
أضف إلى ذلك، أن غموضاً يحيط بما ورد على لسان المستشار الألماني بخصوص تورط حلف الناتو في الحرب. هل التورط المعني مثلاً يكون فقط بإرسال جنود من دول الناتو للقتال إلى جانب القوات الأوكرانية؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فإن مجريات الأحداث تؤكد أن القوة القتالية البشرية متوفرة لدى حكومة كييف. وفي الوقت نفسه، ماذا نسمي ما يصل إلى كييف، منذ بداية الحرب، من سلاح غربي، من دول أعضاء في حلف الناتو، وما يقدم من مساعدات تقنية في مجال الرصد الفضائي لتحركات القوات الروسية وأماكن وجودها، وما يرسل من خبراء تدريب، وما يقدم من مساعدات تقنية ومالية وإغاثة طبية وإنسانية؟ وإذا كان كل هذا ليس تورطاً، فإن المصطلح في حاجة ماسّة وسريعة إلى المراجعة من قبل المختصين.
في اجتماع وزراء الدفاع المشار إليه أعلاه، تمّت الموافقة على إرسال نوعيات متقدمة تقنياً من السلاح الغربي إلى الجيش الأوكراني. التقنية العالية والمتطورة لتلك الأسلحة، يقول خبراء عسكريون غربيون، إنها تحتاج إلى فترات تدريب طويلة لاستيعابها واستخدامها بشكل أمثل. ويؤكدون أنه من دون توفير التدريب المناسب، فلن تكون مفيدة للأوكرانيين. المشكلة أن القادة الأوكرانيين في عجلة من أمرهم لوقف الاختراق الروسي مؤخراً لخطوط دفاعاتهم، ولا وقت لديهم للتريث وتأجيل الهجوم المقرر في الربيع كما يلح عليهم خبراء عسكريون في حلف الناتو، بهدف توفير الفرصة أمام قواتهم لاستكمال فترة التدريب المقررة واللازمة على الأسلحة الجديدة.
وما يهمّ حقاً هو أن فصل الربيع القادم لن يأتينا، هذه المرّة، مختالاً ضاحكاً، كما وصفه الشاعر البُحتري، لعلمنا السابق أن حُلُوله يحمل بين ثناياه تهديداً خطراً للسلام العالمي، وقد يعرض العالم لمحنة حرب كونية أخرى ونهائية. والخوف أن ينفد صبر القادة الروس، في قصر الكرملين، من تصاعد وتيرة تورط دول حلف الناتو في الحرب، عبر مواصلة تقديم مساعدات إلى قوات عدوهم، أدت في الأشهر السابقة، إلى تكبد قواتهم هزائم مُرّة، وانسحابهم من أغلب المناطق التي احتلوها.