معارك «دون كيشوت» الهامشية الليبية

معارك «دون كيشوت» الهامشية الليبية

معارك «دون كيشوت» الهامشية الليبية

 العرب اليوم -

معارك «دون كيشوت» الهامشية الليبية

بقلم - جمعة بوكليب

ثلاثُ معارك سنوية، دونكيشيوتية الطابع والسمات، تعلو قائمة الأحداث، في الروزنامة الليبية، ويمكن رصدها وتتبعها بوضوح وبسهولة، على مواقع التواصل الاجتماعي في الإنترنت، كونها تحولت، بقدرة قادر، إلى مواقع لميادين تلك المعارك سنوياً. المعارك الثلاث صارت علامات مهمة في تلك الروزنامة، وخاصة بعد انتفاضة فبراير (شباط) 2011. قبل ذلك التاريخ، لم يكن لها وجود.

قبل قدوم عيد الفطر المبارك بأسبوع، تنشط تلك المواقع بشكل لافت من الحدّة، استعداداً لمعركة العيد، المتعلقة بإشكالية كيفية دفع زكاة الفطر. المعركة بين فريقين، فريق يؤكد صحة منحها نقداً لينتفع بها الفقراء، وفريق آخر يصرّ على منحها حبوباً (قمحاً أو شعيراً... إلخ) عملاً بالسنّة.

المعركة الثانية في نفس المواقع، يبدأ الاستعداد لها قبل قدوم المولد النبوي الشريف بأسبوع أو أكثر، وتدور رحاها بين نفس الفريقين أعلاه تقريباً.

يتقاتلان حول إشكالية جواز الاحتفال بالمولد الشريف وأكل العصيدة، أو تحريم الاحتفال به وتحريم أكل العصيدة.

المعركة الثالثة، تحدث في شهر ديسمبر (كانون الثاني) من كل عام، وتدور رحاها حول إشكالية جواز التهنئة بعيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وجواز الاحتفال برأس السنة الميلادية، أو تحريمهما.

المعارك الثلاث تنشب سنوياً، لكن بمجرد اختفاء أيام عيد الفطر، وأيام المولد النبوي الشريف، ودخول السنة الميلادية الجديدة، يتلاشى غبار المعارك، وتُردُّ السيوف إلى أغمادها، وكأن لا شيء حدث، وتظل الأمور هانئة إلى حين قدوم العيد من جديد.

المتحاربون ليبيون.

وهم فريقان. فريق من المعتدلين دينياً، ويتبعون المذهب المالكي، ويسترشدون بتعاليمه في أداء شعائرهم وطقوسهم الدينية.

وفريق من العقائديين السلفيين المتشددين، ممن ينتمون إلى فصائل وفرق دينية معروفة بتطرفها، وبدت واضحة على السطح بعد انتفاضة فبراير 2011.

واللافت للاهتمام، أن حماسهم جميعاً للمعارك، حول تلك التفاصيل الدينية الصغيرة جداً، لا يماثله شيء، وباعث على الاستغراب، ويذكّر المرء بمعارك دون كيشوت ضد طواحين الهواء بسيف من خشب. وكل ذلك يحدث، وبلادهم منقسمة، وحدودها مستباحة، وثرواتها منهوبة، وحكوماتها فاسدة.

نيران المعركة الأخيرة انطفأت أخيراً، خلال اليومين الماضيين. وخلالها، بان فيها العجب العجاب.

ووصل فيها احتداد المعارك إلى حد تكفير كل من يهنّئ أحداً بعيد ميلاد المسيح عليه السلام.

وفي رأيي، فإن تلك المعارك تشخّص، إلى حد كبير، حالة الوضعية المرضية التي آلت إليها ليبيا بعد فبراير 2011، كما تشخّص كذلك الحالة النفسية لأصحابها. فهم، وهذه حقيقة، يعيشون في وطن لا يملكون مقدراته، ولا يعرفون إلى أي هاوية يسير.

ويرون بأم أعينهم ما يُرتكب ضد المال العام من جرائم، ويعرفون كل اللصوص بالاسم وبالعنوان، لكنهم نتيجة العجز، غير قادرين على الوقوف ضدهم، وضد كل ما يُرتكب من كوارث ومصائب جهاراً. ومن هنا، يأتي حرصهم الشديد، وغير المبرر إطلاقاً، على افتعال تلك المعارك السنوية، وإضرام نيرانها، ولكن من مسافة بعيدة حماية لأنفسهم؛ أي من وراء جدران بيوتهم، على أجهزة الحواسيب، وبأسماء أكثرها مستعار.

وكلها تدور حول إشكالات دينية تفصيلية جداً، لا تفسد لهم ديناً إن عملوا بها، ولا تزيدهم تقوى وتديّناً إن تجاهلوها. ولا علاقة لها بما أُحلَّ وحُرّم. وهي ليست سوى تنفيس عن الكبت والغضب الرازحين في الصدور.

وفي ذات الوقت، هي تعبير عن الضعف الذي يعجزهم عن الكلام والمواجهة، وتمنحهم نفسياً نوعاً من ثقة زائفة بأنفسهم كتعويض عن ذلك العجز والضعف، تشعرهم بأنهم ما زالوا أحياء، وقادرين على التصريح والخوض في مسائل حياتية يعدّونها شديدة الأهمية، تستوجب التكفير والتحريم والاقتتال إن استدعى الأمر.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معارك «دون كيشوت» الهامشية الليبية معارك «دون كيشوت» الهامشية الليبية



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab