التفات القلوب خوفاً وحذراً

التفات القلوب خوفاً وحذراً

التفات القلوب خوفاً وحذراً

 العرب اليوم -

التفات القلوب خوفاً وحذراً

بقلم - جمعة بوكليب

الحنينُ إلى الحبيب أو الأحبّاء ليس جديداً. فمن لم يعد بمقدورنا رؤيتهم بالعين منهم، نحاول جاهدين ألا نجعلهم يختفون عن عيون قلوبنا. ولعل الشاعر الشريف الرضي أفضل من جسّد ذلك شِعرياً بقوله: وتلفتت عيني فمذ خفيت عني الطلول تلفت القلب.

قبل تلك الحالة القلبية الوجدانية، عرفنا من تجاربنا وخبراتنا، أن التفاتة القلب خوفاً قد تعد أقدم الالتفاتات وأشهرها.

تذكرت ذلك خلال الأيام الماضية، وأنا أجوب شوارع وأحياء وطرقات العاصمة الليبية طرابلس الغرب، عقب أن وصلتها قادماً من لندن، للاحتفاء بعيد الأضحى المبارك مع الأهل والأصحاب بعد غيبة طويلة نسبياً.

طرابلس التي عرفتها وعرفتني، طفلاً وصبيّاً وشاباً، ليست طرابلس التي عرفتها وأنا أدخل بقدمين مترددتين مرحلة الكهولة. المسافة الزمنية التي تفصلهما، قرابة أربعة عقود زمنية، تؤرخ في ذات الوقت لفترة غيابي عنها، وتوثق المصائر التي تقلبت بينها طرابلس، وما شهدته من أحداث وكوارث. لكنها في السنتين الأخيرتين تنفست الصعداء، واستمتعت بفترة استقرار نسبي، مقارنة بما شهدته خلال الأعوام الماضية. ومن المهم الإشارة إلى أن طرابلس الغرب تكاد تكون العاصمة الوحيدة في العالم التي لا توجد بها مواصلات عامة. وهذا يعني أن شوارعها وميادينها تختنق بحركة المرور، من كثرة ما يوجد بها من سيارات خاصة. أضف إلى ذلك، أن المدينة في السنوات الأخيرة شهدت موجات نزوح وهجرة. النازحون جاءوها من مختلف مناطق ليبيا، وبخاصة من الشرق الليبي. والمهاجرون جاءوها من بلدان أفريقية وآسيوية، آملين في الوصول إلى الشاطئ الأوروبي. الزائر للمدينة لا تفوته كذلك ملاحظة الحضور الأمني في شوارع وأحياء المدينة. ذلك الحضور قد يكون باعثاً على الثقة بين السكان، إلا أنّه من ناحية أخرى، ربما يوحي، وبخاصة للزائر غير المقيم، بأنّه تعبير عن خوف كامن، لدى الجهات الرسمية، من حدوث انتكاسة أمنية مفاجئة.

ومهما تختلف وجهات النظر حول الوجود الأمني المكثف، إلا أنّه، من دون أدنى شك، يشكل ردعاً لأي تفكير أو محاولة لإحداث انتهاك أمني، ويمنح المواطنين شعوراً بالأمان نسبياً. نسبية الإحساس بالأمان نابعة من كونه تأكيداً على عدم عودة الحياة إلى اعتياديتها.

مع اقتراب أيام عيد الأضحى تزايدت حيوية الأسواق في المدينة بشكل ملحوظ، واكتظت طرقاتها بحركة السيارات بمختلف أنواعها، إلى حد الاختناق، وبدا وكأن سكان المدينة على كامل الاستعداد لاستقبال العيد.

لكن، رغم ذلك، فإن ذلك الإحساس بالاستقرار النسبي، والشعور بشيء من الأمن والأمان، لا يشكلان، في حقيقة الأمر، وفي رأيي أيضاً، حاجزاً بين القلوب والالتفات للخلف خوفاً. نعم، هناك في حنايا قلوب سكان العاصمة الليبية منطقة ما زالت في حالة تأهب وحذر. منطقة، لا يمكن تجاهلها، ولم يصلها بعد الشعور بالاطمئنان والاستقرار. ولذلك السبب، تكثر القلوب من الالتفات إلى الخلف خوفاً من حدوث أي طارئ، أو خوفاً من عودة الماضي. ذلك الخوف ليس خارجاً عن إطار التوقع ولا مفاجئاً. وهو حاضر، ويمكن رصده في الأحاديث، وفي نظرات العيون، وفي أدعية المصلين بالمساجد، وفي التكبير المتواصل عبر مكبرات الصوت من مآذنها في فترات المساء والليل.

يظل الإحساس بالفرح بالعيد واطمئنان النفوس بالسلام والاستقرار ناقصاً، لأن الأمور وإن بدت على السطح هادئة ومستقرة، إلا أن ذلك الهدوء ليس عادياً، وأن الاستقرار ليس في وضع الثبات، كونه ممزوجاً بحذر وبخوف. الحذر من مغبة الانزلاق نحو حرب أخرى. والخوف من مغبة ما قد تقود إليه من تداعيات.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التفات القلوب خوفاً وحذراً التفات القلوب خوفاً وحذراً



جورجينا رودريغيز تتألق بالأسود في حفل إطلاق عطرها الجديد

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 08:54 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

منة شلبي تعلن رأيها في الألقاب الفنية
 العرب اليوم - منة شلبي تعلن رأيها في الألقاب الفنية

GMT 09:20 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

الألعاب الإلكترونية منصة سهلة لتمرير الفكر المتطرف
 العرب اليوم - الألعاب الإلكترونية منصة سهلة لتمرير الفكر المتطرف

GMT 22:38 2024 الخميس ,03 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل مصريين حادث إطلاق النار في المكسيك

GMT 04:42 2024 الخميس ,03 تشرين الأول / أكتوبر

مفكرة القرية: تحصيل دار

GMT 06:26 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

ذبحة صدرية تداهم عثمان ديمبلي

GMT 05:00 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

خروج بلا عودة

GMT 18:55 2024 الأربعاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

3 قتلى و3 جرحى نتيجة انفجار ضخم في حي المزة وسط دمشق

GMT 09:22 2024 الخميس ,03 تشرين الأول / أكتوبر

الحوثيون يعلنون استهداف تل أبيب بعدد من طائرات الدرون

GMT 22:23 2024 الخميس ,03 تشرين الأول / أكتوبر

18 قتيلا بضربة إسرائيلية على مقهى في طولكرم

GMT 15:25 2024 الأربعاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل تقرر ضرب هدف استراتيجي في إيران
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab