بقلم - جمعة بوكليب
اللوائحُ الانتخابية في كينيا تشترطُ، على الفائز في الانتخابات الرئاسية، الفوز بنسبة أصوات تتجاوز 50 في المائة من أصوات الناخبين، و25 في المائة، على الأقل، من مجموع أصوات الناخبين في مقاطعات كينيا البالغ عددها 47 مقاطعة. عدد الناخبين الكينيين المؤهلين للتصويت 22 مليون ناخب من مجموع السكان البالغ عددهم 53 مليون نسمة. وبلغ عدد مراكز الاقتراع هذه المرّة 46 ألف مركز. المرشح الفائز السيد ويليام روتو حصل على نسبة 50.49 في المائة من الأصوات، مقابل 48.85 في المائة للمرشح المنافس رايلا أودينغا. الفارق في عدد الأصوات بلغ 233.211 ألف صوت.
الرئيس المنتخب روتو كان نائبا للرئيس السابق، لكنهما اختصما خلال فترة الولاية الرئاسية الثانية، مما أدى إلى ابتعاده. المرشح الخاسر السيد أودينغا سبق له شغل منصب رئيس الحكومة، وهذه المرة الخامسة التي يتقدم فيها للانتخابات الرئاسية ويفشل.
وتاريخياً، فإن الانتخابات الرئاسية الكينية لا تنتهي في العادة بإعلان النتائج رسمياً، بل تستمر بعدها، حيث يواصل المرشحان المتنافسان المعركة في الساحات القانونية لحسم الخصومة قضائياً. وفي أغلب الأحيان، تخرج الأمور عن السيطرة، وتنتقل المعارك إلى الشوارع، كما حدث في انتخابات عام 2007، حيث تسببت في موت 1200 مواطن، وكادت تتحول إلى حرب أهلية.
ما حدث في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، في الأسبوع الماضي، لم يكن استثناءً. وبدا واضحاً حرص المواطنين الكينيين على الحفاظ على ما اكتسبوه، بمرور الوقت والتجارب، من تقاليد انتخابية، ميّزت ديمقراطيتهم عن غيرها. لكن بعد ما حدث من اقتحام لمبنى الكونغرس الأميركي في واشنطن يوم 6 يناير (كانون الثاني) 2021، لن يجرؤ أحدٌ على عتاب الكينيين أو التقليل من شأن تجربتهم الديمقراطية المميزة.
وما حدث هو أنه قبل إعلان النتائج رسمياً، خرج مندوب يمثل المرشح أودينغا معلناً رفض النتيجة، متهماً مفوضية الانتخابات بالتلاعب، وواصفاً مقر المفوضية بأنه مسرح جريمة. وسرعان ما تحولت الصالة المخصصة لإعلان النتائج إلى ساحة هرج ومرج، مما استدعى تدخل قوات الشرطة للفصل بين أنصار المرشحين، والسيطرة على الموقف. اللافت للانتباه، أن القنوات التلفزية كانت تنقل مباشرة على الهواء المعركة الدائرة بين أنصار المرشحين، في حين أن أعضاء فرقة كورال من الأطفال أُحضرتْ للمشاركة في الحفل، ظلوا يواصلون الغناء في تجاهل كامل للمعركة الدائرة بجانبهم. وكأنَّ لسان حالهم يقول جئنا لنغني في الحفل، ولن يثنينا شيء عن ذلك. من المهم الإشارة إلى اندلاع أعمال عنف في الشوارع، خاصة في المناطق الداعمة للمرشح الخاسر السيد أودينغا. إلا أن الهدوء سرعان ما عاد سريعاً إلى تلك المناطق، بعد مطالبة المرشح أودينغا أنصاره بالتزام الهدوء.
قبل إعلان النتائج رسمياً، يوم الاثنين الماضي، قامت قوات الشرطة الكينية بنقل فرق المراقبين الدوليين، الذين راقبوا سير العملية الانتخابية إلى مكان إقامتهم لحمايتهم. وأعلن المفوض العام للجنة الانتخابية النتائج. وتبيّن فوز المرشح ويليام روتو. وفي غضون وقت قصير على إعلان النتائج تلقى التهاني من رئيس وزراء الحبشة، ورئيسي أوغندا وزيمبابوي. وأعلن المرشح الخاسر رايلا أودينغا أنه سينقل المعركة إلى ساحة القضاء. وفي يوم الخميس الماضي، نقلت وسائل الإعلام، نبأ وصول وفد من الكونغرس الأمريكي إلى نيروبي، والتقى بالرئيس المنتخب أولاً، وبعدها التقى المرشح الخاسر السيد أودينغا.
تقدم التجربة الديمقراطية في دول القارة الأفريقية اتسم ببطء نتيجة عراقيل عديدة. تأتي في مقدمتها الانقسامات القبلية والإثنية. ذلك أن المجتمعات الأفريقية على اختلافها، كما نعرف، منقسمة قبلياً وإثنياً. وسيادة الولاء للقبلية أو الجماعة الإثنية هو السائد، وليس لأحزاب سياسية.
العادة جرت أن يغادر الناخب الأفريقي بيته يوم الانتخابات قاصداً مركز الاقتراع ليدلي بصوته لصالح مرشح مجموعته أو جماعته الإثنية. لكن استناداً إلى شهادة أدلت بها إعلامية بريطانية بارزة - سودانية الأصل ومعروفة، هي السيدة زينب البدوي، وكانت موجودة في العاصمة نيروبي، اتضح أن العامل الإثني كان ضعيفاً خلال الانتخابات الأخيرة.
على سبيل المثال، تمكن المرشح الفائز من حصد أكبر نسبة أصوات في دائرة انتخابية تخصُّ الرئيس السابق، وهو من جماعة إثنية أخرى، وتعدّ الأكبر في كينيا، وتجمعه خصومة بالمرشح الفائز روتو، وأدلى بصوته لصالح الخاسر المرشح أودينغا. السيدة البدوي تعزو نجاح هذه الانتخابات إلى الجهد الذي بذلته المفوضية الانتخابية، ممثلاً في الوقت والجهد والمال، لضمان سلامة العملية الانتخابية وتفادياً للعنف، حيث قامت بحملات تثقيفية للناخبين في وسائل الإعلام، كما حرصت على سلامة وقانونية الإجراءات في العملية الانتخابية وشفافيتها، وعلى عرض النتائج الانتخابية في كل دائرة أولاً بأول. وهذا لا ينفي حقيقة أن الرئيس المنتخب لن يباشر مهامه قبل أن يفصل القضاء الكيني في الخصومة، كما في الانتخابات السابقة، ويكون حكمه فاصلاً وحاسماً وأخيراً.