بقلم:جمعة بوكليب
هناكَ نوعٌ من إحساس عام، ينتشر بسرعة هذه الأيام، يُعطي انطباعاً غير مريح، مفاده أن بريطانيا حالياً بلا حكومة فاعلة وفعّالة. رئيس الوزراء السيد جونسون ذهب في إجازة عائلية خارج البلاد، وتبعه وزير الخزانة، وسبقهما إلى ذلك البرلمان. بقية أركان الحكومة من الوزراء وكبار المسؤولين في الحزب متورطون بحماس، وقد انقسموا إلى فريقين متنافسين، كل فريق منهما يدعم مرشحاً من اثنين، يتنافسان على زعامة الحزب والحكومة. أعضاء كل فريق يمنّون أنفسهم بفوز مرشحهم من أجل حصولهم على حقائب وزارية رفيعة في الحكومة القادمة، بعد إعلان النتائج يوم 5 سبتمبر (أيلول) القادم.
الكثير من التقارير الإعلامية البريطانية تتحدث عن وعود سخيّة تُمنح من المُرشّحَين (وزيرة الخارجية ليز ترس، ووزير الخزانة السابق ريشي سوناك)، لمؤيديهما بمناصب في حالة الفوز. المرشح الأكثر أسهماً في الفوز، كما تشير استبيانات الرأي العام، وزيرة الخارجية السيدة ليز ترس. الوزارة لم تعد محطّ اهتمام السيدة الوزيرة في واقع الأمر، وفي وقت يمر فيه العالم بواحدة من أعقد أزماته السياسية، ويتعرض فيه السلام الدولي إلى التهديد، كما تبيّن مؤخراً في الأزمة الصينية – الأميركية، حول زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي إلى جزيرة تايوان.
السيدة ترس مستغرقة بكاملها في إدارة حملتها الانتخابية، وكلما اقترب موعد إعلان النتائج ازداد الانهماك، طمعاً وأملاً في تسلم مفاتيح 10 داونينغ ستريت. البعض من التقارير الإعلامية أشار صراحة إلى أن بعض أفراد فريق السيدة ترس يتواصل مع زملاء لهم في فريق المرشح الخصم السيد سوناك، بغرض إقناعهم بالتخلي عنه، وإعلان تأييدهم للسيدة ترس، إن أرادوا الحصول على وظائف وزارية في الحكومة القادمة، قبل أن يفوتهم القطار مغادراً، ويبقوا على رصيفه يعضّون الأصابع ندماً.
ما يحدثُ من غياب من جانب رئيس الحكومة والوزراء وإهمال لمهامهم، يعدّه كثير من المعلقين أمراً غير مسبوق. ويستشهدون بما حدث مع رؤساء حكومات سابقين، آخرهم السيدة تيريزا ماي، مرّوا بنفس الظروف، لكنهم ظلوا يواصلون مهامهم بجدّية إلى يوم التسليم، آخذين في الاعتبار الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، متمثلة في استفحال الغلاء، وارتفاع نسبة التضخم، وتفاقم المؤشرات بتحول حالة الركود الاقتصادي إلى كساد، وهي أوضاع صعبة تتطلب حضوراً حيويّاً للحكومة. البيان الذي تلاه محافظ البنك المركزي، في الأيام القليلة الماضية، يشير إلى احتمال ارتفاع نسبة التضخم إلى 15 في المائة في نهاية العام الحالي. البيان أثار ضجّة غير عادية، سياسياً واقتصادياً وإعلامياً، ومخاوف بلا حدود، خاصة أن شهوراً قليلة تفصلنا عن فصل الشتاء القادم، حيث يتوقع تفاقم أزمة نقص الوقود، وارتفاع أسعار الكهرباء وغاز التدفئة بشكل غير مسبوق، وما قد يترتب على ذلك من زيادة الأعباء على ميزانيات الأُسر في كامل البلاد، خاصة الفقيرة منها. وأدّى البيان إلى تصاعد اتهامات بالتهاون ضد المحافظ وفريقه من الخبراء بالمصرف. ورغم ذلك، فإن الحكومة، كما يبدو، لا وجود لها، وفي حالة غياب واضح.
صحيفة «التايمز» اللندنية نشرت، خلال اليومين الماضيين، رسماً كاريكاتيرياً حول الوضع غير العادي. الرسم يمثل سفينة تجارية في عرض البحر، في وضع مائل، ينبئ بأنّها في طريقها إلى الغرق. وعلى متنها المرشحان لزعامة الحزب والحكومة، وكلاهما يحاول، من ناحيته، تقويمها بلا جدوى. وإلى جانب السفينة، رئيس الحكومة يبدو في غاية البهجة، غير مبالٍ بالسفينة المجاورة له، يمارس رياضة التزلج على مياه البحر، ويجرّه قارب سريع يحمل أفراد عائلته، وهم في حالة انبساط.
أخبار التنافس على الزعامة في حزب المحافظين تستأثر بالاهتمام على كافة المستويات. والمرشحان يقفان على ضفتين متقابلتين بما يعرضانه من برامج اقتصادية. السيدة ترس تَعِدُ بخفض الضرائب بهدف تحفيز الاقتصاد وتحريك عجلاته، في حين أن السيد سوناك يرى أن خفض الضرائب لن يزيد إلا في رفع نسبة التضخم، حتى يصبح خارج نطاق السيطرة. وبدلاً من ذلك يدعو إلى تبنّي سياسات اقتصادية يكون هدفها الأول السيطرة على التضخم، قبل التفكير في خفض الضرائب، الذي يرى أنه سيأتي لاحقاً. السياسة الاقتصادية سيطرت على أغلب ما جمعهما من مناظرات متلفزة، وفي تجاهل ملحوظ لقضايا استفحال الغلاء، وتدهور الخدمات الصحّية بشكل خاص، وكيفية التعامل مع موجات السخط الشعبي التي تعم العاملين في القطاعين الحكومي والخاص، ومطالبهم بتحسين الأجور بما يتناسب وزيادة التضخم، أو التهديد بالإضراب.