بقلم - جمعة بوكليب
حين هاجم الإرهابيون الإسلامويون المدن الأميركية في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، قامت الأجهزة الأمنية الأميركية على وجه السرعة بنقل الرئيس الأسبق جورج بوش الابن إلى الطائرة العسكرية المسماة (يو إس فورس 1) خوفاً على حياته، وظلت تحلق في الفضاء، تحت حراسة أسراب مقاتلة، حتى انجلاء الخطر، وصدور الأوامر بالهبوط الآمن. الطائرة الرئاسية المذكورة مزودة تقنياً بأجهزة ومعدات تضمن للرئيس، في حالات الطوارئ القصوى، تسيير شؤون معركة نووية من الجو، إذا ما تعرضت أميركا لهجوم نووي.
في الأيام القليلة الماضية، والاستعدادات في موسكو تجري على قدم وساق للاحتفال بيوم النصر على النازية، والذي سيوافق يوم 9 مايو (أيار) الجاري، نشرت وسائل إعلام بريطانية خبراً حول ظهور طائرة رئاسية روسية، يطلق عليها اسم (يوم القيامة)، قالت إنها شوهدت تطير على انخفاض في سماء موسكو. الطائرة تلك، حسب ما تبين من التقارير، هي المقابل للطائرة الرئاسية الأميركية. أي أنها مزودة بأجهزة ومعدات عالية التقنية، تضمن للرئيس الروسي إدارة معركة نووية من طبقات السماء العليا، وفي مأمن من أي خطر. السلطات الروسية سارعت بالتوضيح بتأكيدها أن الطائرة تجري تدريبات للمشاركة في الاحتفال بيوم النصر. لا أحد يعرف، إلى هذه اللحظة، طبيعة الاحتفال المذكور، الذي تستعد له موسكو منذ فترة، من حيث نوعية الأسلحة التي ستعرض في الميدان الأحمر، وهل سيكون مثلاً من ضمنها صواريخ باليستية برؤوس نووية عابرة للقارات؟
الموعد بات قريباً، وبالتالي، يصير من غير المجدي الاستغراق في طرح تكهنات، ومن الأفضل التريث.
الرئيس الروسي بوتين قال، في وقت سابق، إن عالماً لا توجد به روسيا لا يستحق أن يكون. التصريح المذكور شوهد مكتوباً بأنواع مختلفة من الطلاء على عديد من الجدران، في الكثير من مناطق موسكو. وهو تذكير صريح بأن سيد الكرملين بوتين لن يتوانى عن استخدام ما تحتويه المخازن الروسية من أسلحة نووية في حالة تعرض بلاده لهجوم من قبل قوات حلف الناتو. ومن جهة أخرى، وسائل التواصل الاجتماعي، قامت في الفترة الأخيرة، بنشر صور لجدران في مدن روسية عليها كتابات ورسوم ساخرة، تظهر الحالة التي ستكون عليها الجزر البريطانية في حالة تعرضها لضربة نووية روسية. وبالمقابل، صدرت مؤخراً تصريحات من مسؤولين غربيين في دول أعضاء في الحلف يطالبون بتوسيع حلف الناتو ليكون حلفاً أممياً ضد روسيا. لكن كبار المسؤولين في الحلف يحرصون في تصريحاتهم على التأكيد بأن الحلف لا ينوي الدخول في مواجهة عسكرية ساخنة ضد روسيا. وفعلياً وواقعياً، فإن حلف الناتو، بشكل أو بآخر، طرف في الحرب الدائرة في أوكرانيا، من خلال تزويد حكومة كييف بمختلف أنواع الأسلحة المتطورة، وبالطائرات المسيرة، وبالعديد من العناصر العسكرية المتخصصة، عهدت إليها مهام تدريب الأوكرانيين على استخدامها، إضافة إلى تزويد القوات الأوكرانية بمعلومات دقيقة تتعلق بتحديد مواقع القوات الروسية، وتشجيع القيادة الأوكرانية على نقل المعركة إلى الأراضي الروسية.
ما يحدث في ميادين المعارك، ليس كل ما تحتويه صورة الوضع في أوكرانيا من تفاصيل. وعلى سبيل المثال، فإن التعتيم الإعلامي الغربي جعل من الصعوبة بمكان تبين حجم وقوة الحركة المناهضة للحرب في أوكرانيا، ونقصد بذلك الحركات الشعبية في بعض البلدان الأوروبية التي تطالب حكوماتها بوقف مد أوكرانيا بالسلاح، خوفاً من رد فعل روسي عسكري ضدها. كما حدث في ألمانيا، خلال الاحتفال بيوم العمال العالمي في الأول من مايو، حين تصدت جموع غاضبة للمستشار الألماني وهو يلقي خطاباً، أو ما حدث لوزيرة خارجيته التي أجبرت على مغادرة المنصة لإلقاء خطاب، واضطرت إلى مغادرة القاعة، إضافة إلى الرسائل الموجهة للحكومة الألمانية، والموقعة من قادة سياسيين وعسكريين سابقين ومن مثقفين وعلماء ألمان يطالبون فيها الحكومة بالتراجع عن قرارها مد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة متطورة.
أوروبا الآن، وقيادة حلف الناتو في انتظار يوم النصر الروسي. وبالتأكيد ليس بهدف مشاركة روسيا أفراحها، بل لمعرفة ماذا يدور في عقل الرئيس الروسي بوتين من نوايا، وهل سيتعرض في خطابه الذي سيلقيه في ذلك اليوم إلى التهديد باستخدام أسلحة نووية مثلاً، أم سيعلن النفير العام في البلاد، ويحشدها للحرب في أوكرانيا؟ ومن المحتمل ألا يخيب الرئيس بوتين توقعاتهم، لكن على أمل ألا يتحول الاحتفال بيوم النصر إلى يوم إعلان للحرب.