غزّة عام انقضى والإبادة متواصلة

غزّة: عام انقضى والإبادة متواصلة

غزّة: عام انقضى والإبادة متواصلة

 العرب اليوم -

غزّة عام انقضى والإبادة متواصلة

بقلم:جمعة بوكليب

لا أعلم إن كانت أحزمةُ العِفّة قد ظهرت قبل أو أثناء الحروب الصليبية. وما أعرفه أنها أضحتْ ظاهرة خلال تلك الحملات العسكرية المتجهة عبر البحر إلى الأراضي المقدسة في الشرق الإسلامي.

حزامُ العِفّة، حزامٌ حديدي، يصممه ويصنعه حدادون، ويشتريه منهم رجال في طريقهم إلى عبور البحر، قاصدين حرباً وصفت بالمقدسة. قبل ذهابهم يجعلون نساءهم يرتدين الحزام، ويقومون هم بقفله، وأخذ المفتاح معهم. الغرض من الحزام ليس في حاجة إلى توضيح أو شرح.

الظاهرة تلك، حسبما يقول مؤرخون، استغلها الحدادون تجارياً. إذ قيل إنهم كانوا يصنعون مفتاحين وأكثر لكل حزام. يعطون المشتري مع الحزام مفتاحاً، وبمجرد خروجه من المحل، يبيعون المفتاح الإضافي لمشترين آخرين في الانتظار، بضعف السعر.

أعتقد أن ثقتنا بالقوانين لا تختلف كثيراً عن ثقة أولئك الأزواج المخدوعين بأمانة ونُبل حدادين انتهازيين. نحن نضع ثقتنا في خبراء القوانين، لتفصيل قوانين ولوائح ونظم، تنظم الأمور، وتضمن الحقوق، وتردع المظالم، وتوفر السلم الاجتماعي. ونثق أيضاً في الأجهزة التي تطبق وتنفّذ تلك القوانين، من محاكم قضائية وأجهزة أمنية. لكن تلك الثقة، للأسف، تكون في غير محلّها أحياناً. فالبشر هم البشر لا تتغير طبائعهم، والمصلحة الشخصية تحظى بأولوية، وتأتي فوق كل اعتبار، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، فإن القوانين والنظم واللوائح، على رأي الحُذّاق منّا، وجدت لتنتهك وتخرق، وتستغل من قِبلهم ومن قبل أصحاب النفوذ والمال. وبالتالي، فإنه إذا كانت المطالبة بالمساواة أمام القانون حقاً مشروعاً، ومبدأ إنسانياً نبيلاً، فإنّه صعب التحقق واقعياً، يتم الالتفاف عليه حتى في البلدان التي توصف بالليبرالية والديمقراطية. ولذلك هو أقرب ما يكون إلى حلم إنساني مؤجل حتى الآن.

القوانين، حسب التجربة الإنسانية الطويلة، تساوي بين الناس نظرياً، وفي التطبيق العملي الواقعي يتميز الناس ويختلفون، لدى مثولهم أمام المحاكم، أو لدى تطبيق نصوص القانون، أو في مراكز الشرطة. وتصبح النصوص والمواد القانونية مثل شريط شديد المرونة، يضيق حول أرساغ أغلب الناس، ويتسع على أرساغ فئة قليلة. الأمر ليس جديداً، وربما يعود تاريخياً إلى حقبة ألواح الملك حمورابي المشهورة.

علاقة القوانين بالأفراد في مختلف المجتمعات، بما يعتريها من تغيرات وتدخلات والتفافات، تلوى لأجلها رقاب النصوص القانونية لتلائم الأحوال والظروف والأشخاص، وتطال كذلك علاقة الأمم والدول بالقوانين الدولية، التي وجدت بموافقة أممية وبهدف حفظ السلام في العالم، وتسهيل وتنظيم التعاون الدولي، وحفظ حقوق الأمم وحماية مصالحها. وأنشئت للغرض ذاته العديد من المنظمات والمحاكم الدولية. لكن مصالح الدول، مثل مصالح الأفراد، ليست متشابهة، وفي أغلب الأحيان تتقاطع، ويحتد التنافس إلى درجة إشعال الحرب. وهذا يعني أن تلك القوانين الدولية تخضع لتدخلات وتفسيرات لا تنتهي بغرض تطويعها لمختلف الحالات الطارئة، ولتناسب الظروف والمصالح السياسية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، في الآونة الأخيرة، استحوذ الاتحاد الأوروبي على فوائد أموال روسيا المودعة في مصارف أوروبية، في مخالفة صريحة للقوانين السارية في دول الاتحاد. وتم ذلك بتحريض من واشنطن. وبالطبع، كان خبراء القانون الأميركيون في المتناول لتقديم المسوغات والتبريرات القانونية. لكن في حالة حرب الإبادة المتواصلة في غزة منذ عام، اختفت القوانين ونصوصها وكأنها لم تكن. أو كأن لا علاقة لها بما يحدث في تلك البقعة من الأرض. وفي الوقت ذاته، مُنح الجاني صكاً على بياض، ليفعل ما يشاء، وقتما يشاء، وكيفما يشاء!!

الأيام القليلة المقبلة، تعلّم لمرور عام مؤلم، بتمامه وكماله، على حرب الإبادة التي تشنّ ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة. وسائل الإعلام الدولية تتولى يومياً، في نشراتها المسموعة والمرئية، نقل وقائع ما يحدث من مجازر ومذابح، لكن ولا من مجيب. الدمار طال كل شيء. والموت يطارد كل من يمشي على قدمين في غزة. وشحنات الأسلحة، من مختلف الأنواع والأحجام، ما زالت تتدفق يومياً على موانئ ومطارات إسرائيل، قادمة من عواصم العالم الذي يوصف بالحر، ويفتخر بالدفاع عن الحرّيات وعلى حقوق الإنسان، ومناصرة ودعم حق الشعوب في تقرير مصيرها.

عام وأكثر من أربعين ألف قتيل، وضعفهم من الجرحى. وما زالت الإبادة متواصلة في كل الأوقات. والفلسطينيون في غزة ما زالوا يقتلون ويُجوّعون، وتدمر بيوتهم ومدارسهم ومساجدهم وكنائسهم ومستشفياتهم، وطرقهم، ومزارعهم لكنهم لم يستسلموا، ويقاومون. والعالم يشاهد ما يحدث، وكأنه يتفرج على شريط رعب سينمائي.

يوم الجمعة القادم، استناداً لوسائل الإعلام، يلقي رئيس الحكومة الإسرائيلية خطاباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك. ومن المتوقع أن تقابل كلمته بالمقاطعة من قبل مندوبي عديد من الدول احتجاجاً على المجزرة. وهذا كل ما يمكن فعله من قبل المجتمع الدولي!

 

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزّة عام انقضى والإبادة متواصلة غزّة عام انقضى والإبادة متواصلة



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab