بقلم:جمعة بوكليب
هل للصدفة دورٌ في تزامن حلول الذكرى المئوية لوصول الحزب الفاشي بقيادة بينيتو موسوليني إلى حكم إيطاليا عام 1922، مع احتمال اعتلاء زعيمة حزب «إخوة إيطاليا» اليميني السيدة جورجيا ميلوني سدة الحكم في روما، في شهر سبتمبر (أيلول) القادم؟
السيدة ميلوني على رأس حزبها تقود ائتلافاً يمينياً، يضم حزب الرابطة الشعبوي بقيادة ماتيو سالفيني، وحزب «فورسا إيطاليا» بقيادة سيلفيو بيرلسكوني. استبيانات الرأي العام تشير إلى احتمال فوز الائتلاف اليميني بنسبة 48 في المائة من أصوات الناخبين. ولو تحقق ذلك فعلياً في الانتخابات، فإن السيدة ميلوني ستكون أول امرأة تتولى رئاسة حكومة إيطالية، وأول زعيمة من اليمين المتطرف تحكم إيطاليا منذ عام 1943، وهو العام الذي يُعلّم لسقوط الحركة الفاشية الإيطالية. البرنامج المعلن للائتلاف اليميني يتعهَّد دعمَ الاتحاد الأوروبي، والتحالف الأطلسي، ودعم المقاومة الأوكرانية ضد الاجتياح الروسي.
السيدة ميلوني تنفي الاتهامات التي توجّه إليها، حول وجود علاقة بين حزبها والحركة الفاشية، مؤكدة أنَّ اليمين الإيطالي: «سلّم، منذ عقود، الفاشية إلى التاريخ. وأنَّ حزبها أقرب ما يكون إلى حزب المحافظين في بريطانيا، والحزب الجمهوري في أميركا، وحزب الليكود في إسرائيل». لكن مواقع التواصل الاجتماعي في إيطاليا أعادت بثَّ أشرطة فيديو قديمة تظهر فيها السيدة ميلوني وهي تشيد بالدوتشي موسوليني، وتصفه بأنَّه كان سياسياً جيداً.
ويقول معلقون إيطاليون إنَّ إنكار السيدة ميلوني علاقة حزبها بالحركة الفاشية لا ينفي وجود فاشيين في الحزب. وأنَّ جذور حزبها مرتبطة بالتحالف القومي الذي يعدّ تاريخياً الوريث للفاشية. في حين أنَّ معلقين آخرين لا يدعمون هذا الرأي، مؤكدين أنَّ السيدة ميلوني ليست نسخة حديثة من موسوليني. وأنَّ يمينية حزب «إخوة إيطاليا» لا تنفي حقيقة أنه حزب قومي، ولم يكن يوماً حزباً انفصالياً، كما كان الحال مع حزب سالفيني، الذي تأسس تحت اسم رابطة الشمال، بقيادة الانفصالي أومبرتو بُوسّي، والذي صدر ضده حكم بالسجن لإهانة العلم الإيطالي. بالإضافة إلى أنَّ «إخوة إيطاليا» حزب أطلسي، ولا يرى مستقبل إيطاليا خارج الاتحاد الأوروبي.
السيدة ميلوني، مثل حليفها سالفيني، لا تتوقف في تصريحاتها وحملاتها الانتخابية على مهاجمة الهجرة غير الشرعية، والمجرمين الأجانب، والتطرف الإسلامي. ويقول معلقون إيطاليون إنَّ فوز هذا الائتلاف بالحكم قد يؤدي إلى تغير اللعبة السياسية في إيطاليا، خاصة إذا ضمن الائتلاف الفوز بثلثي الأغلبية البرلمانية، لأنَّه ستتاح له فرصة إحداث تعديلات دستورية، ومن ضمنها وأهمها انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب.
على الضفة المقابلة يقف الحزب الديمقراطي، ممثل يسار الوسط، والشريك الأكبر في حكومة رئيس الوزراء السابق ماريو دراغي. الحزب بقيادة رئيس وزراء سابق هو إنريكو ليتّا. شعبية الحزب في استبيانات الرأي العام تماثل شعبية حزب «إخوة إيطاليا» بقيادة السيدة ميلوني. إلا أن الحزب فشل في توحيد أحزاب اليسار في ائتلاف سياسي يحول دون وصول أحزاب اليمين المتطرف إلى السلطة.
التقارير الإعلامية تتحدَّث عن وجود ثلاثة ائتلافات يسارية مقابل ائتلاف يميني واحد. الانقسام في الصف اليساري، وعلى الوتيرة المذكورة، يزيد في فرص وصول السيدة ميلوني إلى الحكم. المعلقون الإيطاليون يتوقعون حصول الائتلاف اليميني على نسبة 60 في المائة من مقاعد البرلمان، وتمثل أغلبية برلمانية لم تحدث منذ ثلاثة عقود. الخلافات في صفوف الأحزاب اليسارية الإيطالية ليست جديدة، وتبدو، هذه المرّة، كما في السابق، غير قابلة للتجسير. وعلى سبيل المثال، في شهر أغسطس (آب) الحالي، وقّع زعيم الحزب إنريكو ليتّا اتفاقاً بائتلاف انتخابي مع كارلو كاليندا، وهو زعيم حزب مؤيد للاتحاد الأوروبي. بعد مرور خمسة أيام على الاتفاق، أعلن كاليندا انسحابه احتجاجاً على تقارب السيد ليتّا مع حزبين صغيرين آخرين.
السيد إنريكو ليتّا في برنامجه الانتخابي تعهد استكمال سياسات رئيس الوزراء السابق ماريو دراغي، التي يؤكد أنها نجحت في التعامل مع أزمة انتشار الوباء الفيروسي، ونفذت سياسات اقتصادية نالت استحسان رئاسة الاتحاد الأوروبي.
قبل سقوط حكومة دراغي، كان السيد ليتّا يميل إلى دخول الانتخابات في ائتلاف مع حركة خمسة نجوم الشعبوية المناوئة للنخبة. لكن الدور الذي لعبته الحركة في سقوط حكومة دراغي، جعل السيد ليتّا يلغي الفكرة، ويتبنّى عقد ائتلاف مع السيد كاليندا، وهو وزير سابق في حكومة دراغي، ومن أكثر مؤيديه، على أمل استقطاب الناخبين الناقمين على من كانوا السبب وراء سقوط الحكومة.
جهود السيد ليتّا في توحيد الجبهة اليسارية، وفقاً للتقارير الإعلامية، تواجه مطبات وحواجز، وحتى في حالة نجاحه في تشكيل ائتلاف من يسار الوسط، لن يتمكن من الحؤول بين السيدة ميلوني، ودخول القصر الرئاسي في روما.
أسابيع قليلة تفصل إيطاليا عن الانتخابات المقرر عقدها يوم 25 سبتمبر القادم. وفي عيون بروكسل يتبدَّى قلق واضح، خشية وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في روما، بعد مرور قرابة 80 عاماً على سقوط الفاشية.