بقلم - جمعة بوكليب
في الأيام القليلة الماضية، خرج علينا عضو من مجلس الدولة السيادي، اسمه إدريس أبو فايد، معلناً أن حرباً أخرى في العاصمة طرابلس قادمة لا ريب. وأن المسافة الزمنية التي تفصلنا عنها تعد، حسب قوله، قصيرة جداً. تصريح النائب السيد أبو فايد ليس تنجيماً بالغيب، وليس سعياً إلى نشر هلع وخوف في النفوس ونشر شائعات، لكنه، من خلال وجوده في سراديب الساحة السياسية الليبية وكواليسها، وعلى بينة بآخر تطوراتها، كان، في واقع الأمر، يحذر الليبيين من حرب أخرى، قادمة في الطريق إليهم، بين المتنافسين على السلطة: رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايته السيد عبد الحميد الدبيبة، ورئيس حكومة الاستقرار الوطني، المكلف من قبل مجلس النواب، السيد فتحي باشاغا.
هدنة وقف النار الأخيرة، التي فصلت بين قوات الحكومة في طرابلس وقوات المشير حفتر في أبريل (نيسان) 2020، ووضعت نهاية لما عرف باسم حرب طرابلس، ما زالت صامدة، ولم تتعرض لخروقات. لكن الانتخابات الرئاسية والنيابية المأمولة تأجلت بفعل فاعلين، ولا يبدو أنها ستحدث في المستقبل القريب. والحربُ القادمة الموعودة، في تصريح السيد أبو فايد، ستكون بين قوات عسكرية موالية للسيد الدبيبة وأخرى موالية للسيد باشاغا. وطرابلس الكبرى ستكون ميدانها. وسكانها البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة سيكونون ضحاياها المحتملين.
قبل ظهور السيد أبو فايد على الشاشة مُحذراً، سبقه إلى ذلك رئيس حكومة الاستقرار الوطني السيد باشاغا، ملوحاً بقوته، وفي ذات الوقت، مُحملاً رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة «المسؤولية الوطنية والأخلاقية والشرعية على كل قطرة دم تُسفك بسبب إصراره على الحكم بالقوة وبلا شرعية». السيد باشاغا، وإن لم يقلها صراحة في بيانه، إلا أنه، بين السطور، لمح بما يكفي إلى أن خيار المواجهة المسلحة لم يعد ممكناً تفاديه، وأن الحرب ليست سوى جراحة ضرورية، لإزاحة منافسه من السلطة.
قبل ذلك بأيام قليلة، قام رئيس مجلس النواب، المنتهية صلاحيته، المستشار عقيلة صالح رفقة عضو مجلس رئاسي بزيارة مفاجئة إلى أنقرة تعد الأولى منذ عام 2014، بطلب من الرئيس التركي. الزيارة انتهت بالفشل، لأن المستشار عقيلة صالح، وفقاً لما تسرب إلى مواقع التواصل الاجتماعي، رفض اقتراح الرئيس التركي بتعيين حكومة ثالثة، للخروج من المأزق الحالي. وبعد رجوعه إلى ليبيا، طار مباشرة إلى مصر للالتقاء بالمسؤولين المصريين لوضعهم في الصورة، مما حدث في أنقرة، ولتدارس الموقف معهم، وما يمكن اتخاذه من خطوات. وفي ذكرى الاحتفال بتأسيس الجيش الليبي يوم 9 أغسطس (آب) ألقى المشير حفتر خطاباً في مدينة طبرق قال فيه إنه لن يسمح لعبدة الكراسي بسلب إرادة الشعب الليبي، ولم يوضح من المقصود، ومعلناً أن الوصول إلى حل بين المتنازعين على السلطة أصبح ضرباً من خيال.
الحقيقة التي لا يمكننا تجاهلها، هي أن الحلول السياسية المطروحة لحل الأزمة، على اختلاف الجهات الصادرة عنها، لم تجد، حتى الآن، آذاناً مصغية، أو مجال قبول لدى الطرفين المتنافسين، أو لدى حلفائهم في الخارج، وأن طرق السلام المحتملة تواجه انسداداً في كل الاتجاهات، وأن خيار الحرب، كحل أخير، أصبح لا محالة ماثلاً، ولا يمكن تجنبه. فهل تتدخل الظروف وتحول دون حدوث الواقعة؟
على صعيد آخر، ظهر مؤخراً حراكٌ شعبي في فزان، أطلق عليه اسم «حراك الجنوب». الحراكُ ظهر إلى الوجود، بعد كارثة حريق صهريج شاحنة وقود في منطقة تدعى «بنت بيه» قرب بلدة أوباري، وأدى إلى وفاة 23 مواطناً احتراقاً، وجرح عشرات آخرين. ومؤخراً، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي بياناً صادراً عن «حراك الجنوب» يدعو مواطني فزان إلى الانضمام إلى أفراد الحراك، وهم في طريقهم إلى قفل الطريق عن حقلين نفطيين - الشرارة والفيل - احتجاجاً على الأوضاع السيئة التي آل إليها الجنوب وأهله، ما لم تقم الحكومة بتوفير مطالبهم في توفير الوقود والسيولة النقدية والسلع الغذائية، وتوفير الأمن.
من جهة ثانية، لم تصل الأطراف الدولية إلى توافق حول من سيخلف السيدة ستيفاني ويليامز، ويترأس البعثة الأممية في ليبيا. وفي الأمم المتحدة، استناداً إلى صحيفة «بوابة الوسط» الليبية، انتقد ممثل ليبيا لدى المنظمة الأممية السيد الطاهر السُّني الأمم المتحدة على فشلها في التوصل لاتفاق حول التمديد للبعثة الأممية في ليبيا، وعدم توافقها على المبعوث التاسع لها منذ 11 عاماً. وموضحاً أنه «منذ عام 2011 عُقدت أكثر من 172 جلسة في مجلس الأمن، وصدر 27 تقريراً أممياً، و19 تقريراً لفريق الخبراء، و23 تقريراً للمحكمة الجنائية الدولية، ورغم ذلك لم تتحقق انفراجة حقيقية في المشهد المُعقد».