بقلم - جمعة بوكليب
خلال الأيام القليلة الماضية، خرجت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة السيدة ستيفاني ويليامز، على وسائل الإعلام، تنعي إلى الليبيين، مرة أخرى، فشل المفاوضات في جنيف، بين رئيسي مجلس النواب والدولة. في اليوم السابق للنعي، انتشرت شائعات في وسائل التواصل الاجتماعي بوصول رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة السيد خالد المشري، إلى اتفاق بخصوص القاعدة الدستورية لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في ليبيا. لكن الشائعات سرعان ما انطفأت، وبانت الحقائق، وتأكد لليبيين أن العوائق القديمة التي حالت بينهم وبين العيش بسلام في بلادهم طيلة عقد من الزمن ما زالت قائمة.
العقبة التي أجهضت المفاوضات، سبق لها أن وقفت أمام إحراز أي تقدم باتجاه الخروج من عتمة النفق في مفاوضات سابقة، وتخص شروط الترشح للرئاسة. الخلافُ بين المفاوضين في القاهرة أولاً، ثم في جنيف، تمحور حول ثلاث نقاط؛ الأولى الموقف من ترشح مزدوجي الجنسية. والثانية الموقف من ترشح العسكريين. والثالثة الجهة التي ستتولى قانون الانتخابات. وهناك نقطة رابعة تم الاتفاق بشأنها، وتتعلق بضرورة موافقة رئيس مجلس الدولة على دعم حكومة الاستقرار الوطني برئاسة السيد فتحي باشاغا، على اعتبار أنها الحكومة الشرعية الحائزة موافقة مجلس النواب. ووافق السيد المشري على هذه النقطة. المستشار عقيلة صالح لا يرى ضرورة لحرمان العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشح، في حين يرفض السيد المشري ذلك.
المطلعون على الساحة الليبية وأزماتها المتلاحقة، يعرفون أن النقطتين الأوليين تتعلقان مباشرة بوضعية المشير خليفة حفتر. فهو عسكري، ومزدوج الجنسية (يحمل الجنسية الأميركية). ويعرفون كذلك الخلفية العقائدية التي ينتمي لها السيد المشري ويمثلها. أضف إلى ذلك أن موقفه يمثل موقف العديد من القيادات السياسية والعسكرية في العاصمة، وأن موافقته على النقطتين المذكورتين تعني نهايته سياسياً. والسبب واضح، وهو أن من يمثلون طرف المعادلة الآخر في الشق الغربي من البلاد المقابل للمشير حفتر يرفضون وجوده فما بالك التعامل معه، حتى قبل أن يشن حربه على طرابلس، ويقاطعون كل من يتجرأ على محاولة فتح قناة للتواصل معه. ولعل ما حدث لرئيس حكومة الاستقرار الوطني فتحي باشاغا خير دليل، ويرونه تهديداً لهم ولوجودهم على الساحة، وعودة بالبلاد إلى ما قبل انتفاضة فبراير (شباط) 2011، المشكلة التي تواجههم هي أن المشير حفتر يسيطر على نصف مساحة ليبيا وأكثر، ويسيطر على أهم حقول وموانئ تصدير النفط. ويحظى بدعم القبائل في المناطق التي يسيطر عليها. وأن أي حلول محتملة للأزمة، مهما تعددت وتنوعت، لا يمكنها إغفاله أو إسقاطه أو تجاهله.
ومن جهة أخرى، يسعى رئيس حكومة الوحدة الوطنية السيد عبد الحميد الدبيبة، إلى إقناع السفير الأميركي ريتشارد نورلاند، وبعثة الأمم المتحدة، بعقد انتخابات برلمانية كمرحلة أولية، تليها في مرحلة لاحقة انتخابات رئاسية. المناورة هذه تقابل بالرفض من عدة جهات، كونها تستهدف التخلص من مجلس النواب الحالي، ومن رئيسه المستشار عقيلة صالح، وتمهيد الطريق أمامه مستقبلاً للترشح للرئاسة.
فشل مفاوضات جنيف، وقبلها مفاوضات القاهرة، يعني حرفياً العودة إلى مربع وضع العربة أمام الحصان. ويعني، أيضاً، أن الانتخابات الموعودة والمأمولة قد صارت في علم الغيب، وأن وضعية حكومتين؛ واحدة في طرابلس، وأخرى في سرت، سوف تتواصل. والأهم من ذلك استمرار الفوضى وغياب الاستقرار، وتفاقم استغوال الجماعات المسلحة على البلاد، وتصاعد وتيرة الصراع المسلح بينها على مناطق النفوذ ونهب المال العام.
من المهم الإشارة إلى أن المحاولة الوحيدة للخروج من المأزق المذكور قام بها السيد فتحي باشاغا، بمد يده إلى المشير حفتر، ومحاولة كسر التابو. لكن المحاولة رغم ما اتسمت به من جرأة سياسية إلا أنها قوبلت برفض واسع في الغرب الليبي، ويرى كثيرون أنها لا تختلف عن مناورة حصان طروادة، تمهد لدخول المشير حفتر إلى طرابلس سلمياً، بعد أن فشل في دخولها عسكرياً.
وسبق لرئيس المجلس الرئاسي الدكتور محمد المنفي، التهديد باللجوء إلى استخدام صلاحياته في حالة فشل المفاوضات في جنيف. والسيدة ويليامز في تصريحها الإعلامي أكدت فشلها، بوصولها إلى طريق مسدودة. لكن لا أحد على وجه التحديد يدرك مدى جدية التهديد، وما نوعية الصلاحيات التي بإمكان الدكتور المنفي اللجوء إليها الآن، وهل بإمكانه واقعياً فعل شيء، في بلد يعج بجماعات مسلحة من مختلف الألوان والرايات، وتفرض سيطرة فعلية على الأرض، ولا تعترف بسلطان عليها لأحد؟