بقلم - جمعة بوكليب
انتخابات المجالس البلدية، في إنجلترا وويلز، انتهت مساء الخميس الماضي، وجاءت نتائجها كما توقعتْ استبيانات الرأي العام. وتكبّد حزب «المحافظين» الحاكم خسارة كبيرة. وعلى أكتافه صعد بسرعة وبثقة متنسماً الذروة حزبُ «العمال» المعارض. وأضحت الطريق الآن ممهدة أمام الأخير لتسلّم مفاتيح «10 داوننغ ستريت»، في حالة تكرر نفس النتائج في الانتخابات النيابية المقبلة قريباً. اللافت في النتائج الأخيرة، أنّه باستثناء حزب «المحافظين»، تمكنت بقية الأحزاب من زيادة مقاعدها. المحافظون خسروا قرابة نصف ما لديهم من مقاعد في المجالس المحلية، كما تجرعوا هزيمة مذلة، بخسارتهم مقعداً برلمانياً في انتخابات ثانوية، عقدت في دائرة بلاكبول ساوث، لصالح حزب «العمال»، وبنسبة أصوات كبيرة.
أهمية الانتخابات الأخيرة، حسب آراء المعلقين، تقبع كامنة في طبيعة رد الفعل المحتمل في دوائر حزب المحافظين، خاصة المتعلق بمصير رئيس الحكومة وزعيم الحزب السيد ريشي سوناك.
قبل أيام قليلة من موعد إجراء الانتخابات، قرأتُ تصريحاً أدلى به وزير الداخلية البريطاني جيمس كليفرلي لوسائل الإعلام، يحذّر فيه زملاءه من نواب الحزب في البرلمان من مغبّة التفكير في التخلص من السيد سوناك، بعد ظهور النتائج الانتخابية، ومحاولة استبداله. كليفرلي كان مدركاً، من خلال التصريح، أن حجم الخسارة في الانتخابات البلدية سيكون لافتاً للاهتمام ومثيراً للقلق، ومحفّزاً، في الوقت ذاته، لعديد من المسؤولين والنواب المحافظين على التعجيل بالتحرك باتجاه القيام بمقامرة سياسية خطرة.
وواضح من التصريح وتوقيته أيضاً، أن الوزير كليفرلي على علم وإحاطة بما يدور وراء أبواب مغلقة من تآمر، من قبل جماعات من النواب المحافظين، من المحسوبين على اليمين المتشدد، وأغلبهم، كما يُقال، من أنصار رئيس الحكومة الأسبق بوريس جونسون.
الخاسر ليس لديه ما يخشاه من خسارة أخرى، هذه حقيقة من حقائق الحياة عموماً وفي السياسة خصوصاً، ولا يختلف حولها نائبان برلمانيان محافظان قلقان، ومهددان بخسارة مقعديهما البرلمانيين في الانتخابات النيابية المقبلة. ووفقاً لتلك الحقيقة، لن يتأخر عديدون من النواب المحافظين في انتهاز أي فرصة تتاح أمامهم بالمقامرة برمية نرد أخيرة، على أمل أن يصادفهم حسن الحظ والفوز، أو على الأقل، التقليل من نسبة الهزيمة الانتخابية المحتملة. وبالطبع، لن تخلو الساحة من انتهازيين جاهزين لقيادة مؤامرة الانقلاب، بإعلانهم التطوع بحمل الخنجر وطعن رئيس الحكومة سوناك في الظهر، بهدف الظفر بغنيمة محتملة، امتثالاً للحكمة السائدة: إذا كان ليس للخاسر ما يخشاه، فإنَّ أمام المغامر فرصة محتملة للفوز، إن لم تكن بالانتخابات النيابية، فبزعامة الحزب. وبعدها لكل حادث حديث!
رغم ما يميّزها من أضواء براقة، تظل عوالم السياسة شديدة العتمة ومخيفة، ولا مكان بها لذوي القلوب الضعيفة. وفي أروقة السياسة البريطانية عموماً، وحزب المحافظين خصوصاً، تبدو هذه الحقيقة أكثر بروزاً. والأضواء البراقة المحيطة بالأجواء تخفي وراءها صراعات متواصلة لا تتوقف، بين أطراف عدة، تمثل مصالح متنافسة ومتضاربة، يطمح كل منها للاستحواذ على آلية صنع القرار بهدف حماية مصالحه. ولتحقيق ذلك، يُرفع شعار «الغاية تبرر الوسيلة».
وإذا كان ثمن الحفاظ على الوضعية الراهنة، بتفادي هزيمة انتخابية محتملة، لا يكون إلا بالتخلص من زعيم واستبداله، فإن المشكلة تعدُّ محلولة. لكن مشكلة المحافظين ليست في التخلص من السيد سوناك، بل في ضيق المسافة الزمنية التي تفصلهم عن موعد الانتخابات النيابية المقبلة. وهي مشكلة، لا تختلف عن أنشوطة وضعتْ حول رقابهم، وتزداد ضيقاً وإحكاماً كل يوم، وتحول بينهم وبين التفكير في تصميم وتنفيذ خطة تقيهم مصيراً انتخابياً مؤلماً، قد لا يختلف عما تجرعوه على أيدي حزب «العمال» الجديد عام 1997 بقيادة السير توني بلير.