ماذا بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل؟ سؤال لم يعد ممكناً تفاديه، أو تجاهله. والطرق التي تقود باتجاه الحرب تبدو أكثر احتمالاً من غيرها.
التحليلات لا تتوقف، وكذلك التكهنات والتنبؤات، وكلها بحثاً عن إجابات لا تتوافر. لكن ما كان خلال الأسبوعين الماضيين، أمراً تنبأ به الساسة والمعلقون، أضحى في ساعة متأخرة من ليل يوم السبت المنصرم حقيقة واقعة.
عملية «طوفان الأقصى»، التي بدأت منذ أكثر من أشهر ستة مضت، لم تنتهِ بعد، و«حماس» ما زالت تقاوم وتفاوض. وها هي إيران تفتح الأبواب على مصارعها أمام تصعيد عسكري خطير في منطقة مملوءة بالقنابل الموقوتة. الطريق إلى سلام دائم في الشرق الأوسط، كانت حلماً صعب التحقق، وتحوّلت الآن كابوساً، يهدد بقلب الدنيا رأساً على عقب، وليس فقط منطقة الشرق الأوسط.
الشاشات الصغيرة نقلت إلى المشاهدين في مختلف بقاع العالم وقائع الهجوم الجوي الإيراني، ورصدت أجهزة الدفاعات الجوية الإسرائيلية المضادة تتصدى له بالرد. البث التلفزيوني للهجوم، ربما يذكر العديد من المشاهدين بحلقات مسلسل «حرب النجوم». الفارقُ أن ما كان يُنقل للمشاهدين ليس تمثيلاً في استوديوهات أميركية، بل معركة حقيقية. والفضل للتقدم التكنولوجي.
المفارقة أن التقدم التكنولوجي المبهر للإنسانية خلال العقود الأخيرة من الزمن، ربما يكون سبباً في هلاكها وفي دمار العالم. فهي وإن غيّرت حياة البشر إلى الأفضل، فإنها ساهمت، بشكل كبير وبسرعة أيضاً، في تطور أدوات ووسائل وأجهزة الحرب والقتل والدمار والهلاك!
أول هجوم عسكري لإيران من أراضيها، بعد نهاية حربها ضد العراق في الثمانينات من القرن الماضي، كان موجهاً ضد الأراضي الباكستانية بهدف ضرب قواعد جيش العدل السنّي، الذي قام بعملية في إيران أدت إلى مقتل 11 شرطياً. باكستان بدورها قامت فورياً بالرد على الهجوم بهجوم بالصواريخ والطائرات داخل الأراضي الإيرانية.
الهجوم الإيراني ضد إسرائيل يعدُّ الثاني من نوعه، وكان متوقعاً. وجاء سريعاً رداً على قصف جوي إسرائيلي حدث منذ أسبوعين، على مبنى قنصلية إيران في دمشق، مما أدّى إلى تدمير المبنى وقتل من فيه، ومن ضمنهم قائدان برتب كبيرة في «الحرس الثوري». إيران عدّت الاعتداء على القنصلية بمثابة اعتداء على أراضيها، ووعدت برد عسكري قاسٍ. الرد الإيراني رغم أنه كان متوقعاً، فإنّه حدث على نحو مغاير لما كان يحدث في السابق. التقارير في الصحف البريطانية، التي أتيحت لي فرصة الاطلاع عليها في اليوم التالي للحدث، أوضحت أن الهجوم الإيراني انطلق من إيران، المسافة تقدر بـ1000 كيلومتر، والقصد من ذلك تجنيب إسرائيل عامل المفاجأة. وأن الأهداف المقصودة به كلها عسكرية.
ومن دون شك، أشعل الهجوم كل الأضواء الحمر في واشنطن وعواصم حلفائها. الرئيس الأميركي جو بايدن قطع إجازته ورجع إلى مكتبه في البيت الأبيض وعقد اجتماعاً مع مستشاريه. والطائرات والقطع البحرية الأميركية والفرنسية والبريطانية شاركت في صد الهجوم الإيراني. والبيانات الإسرائيلية أكدت تصديها للطائرات والصواريخ الإيرانية وإسقاطها. وأن الأضرار لا تتجاوز جرح فتاة مسلمة صغيرة لا يتجاوز عمرها سبع سنوات.
وها هو العالم الآن، من منطقة الشرق الأوسط، يرفع الستارة معلناً عن بدء مرحلة جديدة وخطيرة في الصراع بين إيران وإسرائيل من جهة، وإيران وواشنطن وحلفائها من جهة أخرى. بإمكان إيران الدخول في حرب مع إسرائيل، لكن هل بإمكانها الشروع في حرب مع إسرائيل مدعومة بترسانات واشنطن والغرب عموماً، وفي هذا الوقت وهذه الظروف؟
نظرية الفعل ورد الفعل سوف تدخل حيز التنفيذ فورياً. الفعل الإسرائيلي أدى إلى رد فعل إيراني. والمتوقع الآن رد فعل إسرائيلي ضد إيران، كما صرح بذلك الناطق باسم الجيش الإسرائيلي. وبالطبع، يعقبه رد فعل إيراني. هل يعني ذلك أن حرب الوكلاء الإيرانية قد وصلت لنهايتها؟ ما زال «حزب الله» يهدد الحدود الشمالية الإسرائيلية، وما زال الحوثيون في اليمن يهددون الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والجماعات المسلحة الشيعية في العراق وسوريا ما زالوا قادرين على إنزال ضربات موجعة بقوات أميركا في شمال سوريا... إلا أن إيران، على ما يبدو، قررت الآن فتح ممر جديد في صراعها مع إسرائيل والغرب، يقود بالضرورة إلى منعطف خطير، سعى نتنياهو إلى جرّها إليه منذ سنوات، ونجح أخيراً.
الأيام القادمة حبلى بالكثير من الأحداث. وإذا كان قرار البدء بالحرب إيرانياً، وجاء رداً على اعتداء إسرائيلي حدث في دمشق، فإن قرار وقفها قد يتأخر كثيراً، ولم يعد ملكاً لحكومتَي طهران وتل أبيب فقط.