بقلم- حنا صالح
كان لافتاً التزامن بين زيارتي آموس هوكشتاين، كبير مستشاري الخارجية الأميركية لأمن الطاقة، وأمير عبداللهيان، وزير الخارجية الإيرانية، و«مصادفة» وجودهما في لبنان مع صدور قرار مجلس الأمن الدولي 2695 التمديد لقوات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان سنة جديدة.
لقد أكد مجلس الأمن على أهمية تمكين القبعات الزرق من القيام بمهامها على أكمل وجه، وفق نص المادة 16 من قراره، ليؤكد بذلك أنه يدعم حرية «اليونيفيل» في تنفيذ المهام الموكلة إليها، وجوهرها استعادة لبنان سيادته كاملة غير منقوصة، فكشف عن رفض المجتمع الدولي التهديدات ومحاولات الابتزاز من جانب «الدويلة»، كما أنه تجاوز خداع السلطة اللبنانية ولم يقم لها أي اعتبار، عندما بدت كبوق مهمته الدفاع عن مصالح «الحزب»، وأولويتها فرض قيود على حركة «اليونيفيل» من دون أي التفاتٍ لمصالح الشعب الذي تمثل.
لكن كل ذلك لا يعني أن الأمور سهلة وأن الطريق باتت مفتوحة لاستكمال تنفيذ القرار الدولي 1701، أي الانتقال من مرحلة «وقف الأعمال العدائية» إلى مرحلة تثبيت السلم بـ«وقف تام للنار». فعلى الأرض لقاء موضوعي بين إسرائيل و«حزب الله» ومن خلفه نظام ملالي طهران. الكل يستثمر في الوضع اللبناني، الخروقات الإسرائيلية للقرار 1701 يومية ومن دون رادع، وبالمقابل كدّس «حزب الله» عناصر ميليشياته في المنطقة الدولية التي تحولت برميل بارود مع مخطط طهران ربط الجبهات لتطويق الكيان الصهيوني. وبينما انعدم الموقف الوطني الرسمي يتم تحميل لبنان دوراً جديداً في انفجار الاقتتال شرق الفرات!
الزائر الأميركي، وفي جعبته إنجاز ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، أضفى لمحة سياحية على زيارته من الروشة في بيروت إلى قلعة بعلبك في عمق بيئة «حزب الله» وبينهما الناقورة والحدود الجنوبية. انصبّ جهده على تثبيت التهدئة المطلوبة جنوباً رغم اتساع المواجهة الإسرائيلية - الإيرانية في سوريا.
تحدث هوكشتاين عن الترسيم البري للحدود، وحدود لبنان مرسمة منذ عام 1923 ومثبتة في عصبة الأمم، وتم التأكيد عليها في اتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل في عام 1949. لكن ثغرات برزت مع وضع الخط الأزرق عام 2000، خط الانسحاب الإسرائيلي، وتحددت بنحو 13 نقطة خلافية، فضلاً عن قضية بلدة الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا. فإن حدثت اندفاعة بهذا الاتجاه، والمؤشرات وإن بطيئة ليست قليلة، فهذا سيعني بداية مسار تهدئة مغاير، مكمل للمتطلبات الأمنية التي أكدها الترسيم البحري ووضع أمن الطاقة فوق أي اعتبار، وهو منحى من المرجح ألا تعكره الخيم الصيفية على تخوم مزارع شبعا المحتلة!
مقابل منحى التهدئة في زيارة هوكشتاين لإطلاق مرحلة استخراج الغاز والنفط، بدت زيارة وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان، الآتي من دمشق، أقرب إلى زيارة ودية لـ«رعايا» مضمونها الحقيقي تهديد بدور ما لبعض أذرع الميليشيات الإيرانية! التقى نبيه بري وحسن نصر الله وقادة «حماس» و«الجهاد»، واستغل منبر الخارجية لتكرار مواقف طهران عن «عدم التدخل بالشؤون الداخلية اللبنانية»، لكنه من خلفية «المونة» على لبنان واللبنانيين قال: «إذا بادر الكيان الصهيوني بأي حماقة، فإن المقاومة باستطاعتها أن تقلب الصفحة بالشكل الذي يكون وبالاً على هذا العدو»! ما يؤكد أن العنوان الحقيقي للزيارة «وحدة الساحات» وضرب وحدة اللبنانيين وتعميق الشرخ الداخلي بين الفئات اللبنانية!
يقول مطلعون إن الاهتمام في اجتماعات عبداللهيان البيروتية، كان منصباً على أحداث شرق الفرات. والهاجس توسعة طرق الإمداد التي تربط طهران بالمتوسط عبر العراق وسوريا. وخلافاً لما قاله نوري المالكي، عن مشروع أميركي للسيطرة على كامل الحدود من «التنف» باتجاه الشمال، حيث تسيطر «قسد» (قوات سوريا الديموقراطية) ذات الأكثرية الكردية، فإن فتح المعركة بين قوات من المجلس العسكري لدير الزور، الذي يضم عشائر عربية، وبين «قسد»، تقف خلفه المصالح والمخططات الإيرانية، وأن عبئاً أساسياً في المواجهات تقوم به مجموعات من الميليشيات الإيرانية، والهدف المرحلي زعزعة السيطرة الأميركية هناك!
في هذا السياق، لفت المتابعين وصفُ نصر الله المعركة الدائرة في شرق الفرات بأنها «المعركة الحقيقية التي ستغير المعادلات»، وكان قد سبقه وزير خارجية سوريا الذي أعلن: «إن لم تنسحب القوات الأميركية من شرق الفرات طوعاً، فإنها ستنسحب بالحرب»! نعم، هي معركة بالغة الأهمية بالنسبة لطهران وأذرعها، لكن من المبكر توقع نجاحات سريعة وحتى على المدى المتوسط، بعدما نجحت «قسد» في تطهير مدينة «البصيرة» الموقع الاستراتيجي المفتاح للتقدم شمالاً!
زمن الحرب الباردة في خمسينات القرن الماضي تحولت بيروت وكراً للجاسوسية العالمية، واشتهر فندق «السان جورج» باستضافة كبارهم وكانت همومهم عموماً المنطقة وأبعد من لبنان المستقر. ومع الفارق الكبير، بين زمن الجاسوسية وزمن «الدبلوماسية»، فإنه في عصر إمساك «حزب الله» بالقرار اللبناني وكل مفاصل السلطة، نتيجة خللٍ وطني بموازين القوى، يتم تحويل لبنان قسراً ورقة في خدمة أجنداتٍ خارجية بعدما نُهب البلد وأُفقر، وتسلطت عليه سلطة - واجهة، تغطي مشروع «الحزب» ودوره الذي يحُول دون تمكين الدولة اللبنانية من استعادة الأرض والسيادة والدور!
في السياق، يبدو أن الشغور الرئاسي مرشحٌ لأن يقيم طويلاً، ويفوت «معارضة» النظام أن تحديد أولويتها تصدر قيادة المعارضات النيابية، إن تحققت لن تبدل أنملة في الخلل الوطني بموازين القوى، كما أن تقدم ملامح استعادة الانقسام «الآذاري» السابق خطر من شأنه تعميق مآسي اللبنانيين... في حين أن «حزب الله» مطمئن لمخططه استعادة التيار العوني إلى بيت الطاعة؛ فالإغراءات كثيرة والأثمان بسيطة، والهدف إمساكه مجدداً بالأكثرية النيابية!