كيف نصون لبنان وكيف تُستَرجعُ الدولة

كيف نصون لبنان وكيف تُستَرجعُ الدولة؟

كيف نصون لبنان وكيف تُستَرجعُ الدولة؟

 العرب اليوم -

كيف نصون لبنان وكيف تُستَرجعُ الدولة

بقلم:حنا صالح

لا يمكن فهم التردي العام الذي يعيشه لبنان بمعزل عن الخلل الوطني الخطير في ميزان القوى. قتلٌ متعمَّد لمستقبل الوطن بتهجير الشباب والكفاءات، مصادرة العدالة وحجب الحقيقة ومنع المساءلة والمحاسبة إنْ في جريمة العصر، جريمة تفجير المرفأ وترميد ثلث العاصمة وما نجم عن ذلك من إبادة جماعية، أو في أخطر منهبة امتدت من السطو على المال العام إلى نهب جنى أعمار الناس، والإمعان في سياسة الإذلال اليومي للمواطنين. كل هذا التردي ترجمةٌ لخلل وطني يستحيل الخروج منه من دون ردم هذه الهوّة. بهذا السياق، في غير مكانه التعويل على أن انتخاب رئيس الجمهورية كفيل بقلب المشهد. رؤساء ما بعد انتهاء الحرب الأهلية تعايشوا مع سياسات استتباع البلد، فيما باتت الرئاسة في عهد عون الآفل غطاءً للدويلة والسلاح اللاشرعي!
لاحت الفرصة الأولى للبنانيين خلال «انتفاضة الاستقلال» عام 2005، لتصحيح هذا الخلل المديد، الذي صنعه الاحتلال السوري، لكنَّ القيادات الطائفية للانتفاضة خافت من شعبها، فقفزت إلى «الاتفاق الرباعي» مؤكدةً عمق «ارتياحها» للتحالف الذي تَحكَّم بلبنان واللبنانيين. من البداية اتكأت الطبقة السياسية على الخارج، ومعه ابتدعت «نظام المحاصصة الطائفي الغنائمي»، نظام الضمانة لتحقيق مكاسب خاصة وفئوية. لقد عاش لبنان منذ 3 عقود ونيّف زمن «الرئاسات»، لمن تعاموا عن الانقلاب على الجمهورية واستساغوا حكم البلد من خارج الدستور واستنسبوا في تنفيذ القوانين! ليتظهر بعد العام 2005، إبان ثورة «17 تشرين» 2019 والسنوات التي تلتها، كم هي عميقة ومتجذرة التركيبة السياسية صنيعة الاحتلال السوري، والتي تشاركت لاحقاً في تغطية اختطاف «حزب الله» للدولة، وأدارت الظهر لمشروع الاقتلاع الموكل إليه!
في كل المحطات برزت الشراكات العميقة؛ ففي العام 2009 استبق حسن نصر الله الانتخابات العامة بالإعلان: ليكن الحكم للجهة الفائزة في الانتخابات! وعندما باحت صناديق الاقتراع بمكنوناتها وخسر فريق الممانعة، صمت «حزب الله»، لكنّ سعد الحريري أطلّ بُعيد ساعات على النتائج، بخطاب مفاجئ حمل عنوان «كلنا تحت سما لبنان»، أُرفق بحملة دعائية محضّرة مسبقاً، غطَّت البلد، كانت عبارة عن حملة ترويجية للوحة حملت أعلام القوى الطائفية لنظام المحاصصة!
الإشارة كانت واضحة بالذهاب إلى حكومة «وحدة وطنية»، تكمل النهج الذي ألغى دور البرلمان في المراقبة وفي التشريع، إلاّ ما يطلب غب الطلب! والبقية معروفة، فقد حدث انقلاب على الأكثرية النيابية أطاح بالحريري وحكومته، فيعلن ميشال عون عن قطع تذكرة سفر «وان واي» للحريري، ذهاب بلا عودة!
ومثل لبنان جرى في العراق، ففي أواخر العام 2021 جرت الانتخابات العامة، فخسر فريق «الحشد الشعبي» لكنه أحبط تأليف حكومة تنبثق عن الأغلبية الجديدة، لينجح بعد أشهر طويلة في قلب المشهد ويشكل الفريق الخاسر الحكومة العراقية! وفي مايو (أيار) 2022 جرت الانتخابات العامة في لبنان وخسر «حزب الله» وفريقه الأغلبية، فمنع (مع تحالفه) تأليف حكومة جديدة، وفرض أخذ البلد إلى فراغٍ في السلطة التنفيذية استبق الشغور في رئاسة الجمهورية، والفراغ مستمر منذ 8 أشهر!
من بيروت إلى بغداد نهج واحد ومنحى واحد، إنه نهج أملاه النظام الإيراني، والهدف الدفاع عن المشروع الإمبراطوري المستحيل لحكام طهران. بعد إخراج جيش النظام السوري في أبريل (نيسان) 2005، تكشفت أهداف «حزب الله» الرامية إلى فرض هيمنته على السلطة والاستئثار بقرار البلد. وقد شكَّلت حرب يوليو (تموز) 2006 منصة للانقضاض على الوضع الداخلي واحتلال العاصمة لاحقاً، فكان «مؤتمر الدوحة» الذي منح «الحزب» فرصة الذهاب بعيداً في قضم السلطة! والهدف نفسه نراه في بغداد بعدما نجحت قوى التطرف في تشريع «الحشد الشعبي» وقوننة وجوده، وهو أحد أبرز أذرع الهيمنة الإيرانية!
لم توجَّه دعوة هذا الأسبوع لانعقاد البرلمان كهيئة ناخبة، رغم أن الشغور في رئاسة الجمهورية طوى يومه الـ87، وكل ما يشهده لبنان يؤكد أن الشغور مرشح لأن يعمِّر طويلاً. يرافق هذا المنحى خطوات حثيثة لترتيب الشأن الحكومي، انطلاقاً من الاحتياجات الكبيرة التي تُستغل لأن تتجاوز «حكومة تصريف الأعمال» المنوط بها من صلاحيات، فـ«تمط» قاعدة «الضرورات تُجيز المحظورات»! وتضغط رئاسة مجلس النواب لأن يتكثف الدور التشريعي للبرلمان، والحجة تعذُّر الانتخاب نتيجة غياب «التوافق»، رغم أن البرلمان وفق الدستور هو هيئة ناخبة لا مهام لها تفوق انتخاب رئيس للبلاد!
وهكذا دخل لبنان مرحلة تعد فيها حكومة تصريف الأعمال «آلة الحكم الوحيدة الدستورية والشرعية»، بينما إدارة الرئيس بري لمجلس النواب تحمل التأكيد تلو الآخر بأنْ لا رئيس للجمهورية إلاّ بعد الاتفاق المسبق على سعيد الحظ الذي سيُدعى إلى الإقامة ست سنوات في القصر الجمهوري!
في ظل الخلل الوطني المعطوف على فائض القوة، بات «حزب الله» الجهة التي تمسك مقاليد السلطتين التنفيذية والاشتراعية. ويبيّن سعيه الدؤوب إلى ترئيس سليمان فرنجية دون أن يرشحه مسبقاً، أنه الأشد تصلباً في الخيار الرئاسي، لأنه وفق فريق «الممانعة» وتأسيساً على التجربة الرئاسية لميشال عون، فإن رئاسة الجمهورية، كرئاسة البرلمان وكالسلاح، تنضوي في صلب استراتيجية «المقاومة»، وأي «مقاومة» هي وقد تحولت ما بعد التحرير في العام 2000 إلى حالة مقاولة، وظيفتها بعد توجيه السلاح إلى صدور اللبنانيين، شن الحروب ضد الشعب السوري، وجعل لبنان منصة عدوان وتحريض ضد المنطقة!
عود على بدء... الحلول الحقيقية متعذرة مع بقاء السلطة بين أيدي الذين أوصلوا اللبنانيين إلى الجحيم. والأكيد أنه مع متجبرين حوّلوا البلد إلى غنيمة، ما من ضمانة لحقوق أيٍّ كان. وما من ضمانة للعدالة في جريمة العصر، تفجير المرفأ وبيروت، رغم القرارات الجريئة التي اتخذها قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار والمدعمة باجتهاد قانوني وقضائي... إلاّ بمضيّ أصحاب المصلحة والحقوق، وهم أكثرية اللبنانيين، في نهج استعادة الثقة كي يكون متاحاً استرجاع الناس إلى الفعل السياسي.
المسار شاقٌّ وصعبٌ، وصار محتماً أن تتبلور جهود استنباط الوسائل السياسية التنظيمية والكفاحية للدفاع عن الحقوق، ولتحرير الدولة المخطوفة، كمقدمة لإحياء المؤسسات، فتتحرر الحياة السياسية من أَسْر الطائفية والزبائنية والارتهان للخارج... وإلاّ فإن خطر التفكك سيتضاعف والاندثار على الأبواب، وكل الرهانات على خارجٍ ما، ليست في مكانها، لأن للآخرين أولوياتهم الداهمة، وهم يواجهون عواصف فاقت كل التوقعات ومرشحة لأن تطول.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف نصون لبنان وكيف تُستَرجعُ الدولة كيف نصون لبنان وكيف تُستَرجعُ الدولة



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab