بقلم- حنا صالح
عشية الجلسة الـ12 لانتخاب رئيس للجمهورية، التي انعقدت أمس، لإنهاء الشغور في الرئاسة الذي مضى عليه 228 يوماً، التقت كل المعطيات على التأكيد بأن لا رئيس قريباً للجمهورية. وبدا حقيقياً القول إن الاقتراع لم يكن لانتخاب الرئيس الجديد، بل كان للإقصاء! نعم يمكن على عجالة الاستنتاج بأن لا رئيس من المرشحَين المعلنَين؛ سليمان فرنجية مرشح «الثنائي المذهبي» الذي يقود «حزب الله» معركة فرضه، وجهاد أزعور المتفوق على فرنجية بعدما «تقاطعت» على ترشيحه «معارضة» النظام مع التيار العوني، إلى «اللقاء الديموقراطي» وطيفٍ نيابي مستقل بينهم نواب كانوا مرشحين على لوائح قوى ثورة «17 تشرين».
السؤال الذي يطرح نفسه؛ هل لدى أي جهة سيناريو لما بعد جلسة 14 يونيو (حزيران)؟ بات الانقسام عمودياً بين أطراف النظام، وتعمّقت الانقسامات الطائفية والمذهبية، التي لم تقصر كل الأطراف عن الاستثمار فيها. هنا، مفيد فتح مزدوجين للقول إن حصيلة التصعيد الطائفي الفئوي من جانب «الثنائي المذهبي»، المتكئ على ترسانة سلاح لا شرعي مع دعم مفتوح من طهران، وممارسته سياسة التعالي والتكبر وإطلاق التهم والتخوين، أوصل إلى وضعٍ جعل من سابع المستحيلات فرض تعيين رئيس مرفوض من أوسع البيئات اللبنانية. لا، بل ساهم هذا المنحى المتجبر وإجراء فحص دم يومي للمعارضين، بتجاوز قوى طائفية تناقضاتها فاتفقت على ترشيح أزعور لتذيق «حزب الله» وفريقه المر من نفس الكأس التي فرضها عليها! بالمبدأ، يجب التوقف أمام تعزز موقع أزعور وتجاوزه فرنجية، لكن الأمر غير كافٍ لوصوله إلى القصر الجمهوري؛ لأن الجميع يعرف التصلب المتبادل والتعادل السلبي القائم. فإن تأكد الفريق الممانع، «موالاة» النظام، أن المرشح الآخر سيفوز سيعطل نِصاب الـ86 نائباً، وفي المقابل فإن الفريق الذي «تقاطع» على ترشيح أزعور سيلجأ إلى الخيار عينه إن شعر بأن الكفة تميل لخصومه. لذا؛ للوهلة الأولى يمكن الاستنتاج أن منحى البحث عن مرشحٍ ثالث توافقياً تقدم، وكلما بدا أن ذلك يكاد يكون حقيقة، يكون ثنائي «التقاطع» جعجع وباسيل الذي رشّح أزعور، من دون إيلاء البرنامج أي اعتبار، نجح نظرياً في إسقاط ترشيح فرنجية. لكن المسألة ليست بعد بهذه البساطة. فالانتقال إلى المرشح البديل دونه عقبات، رغم تعدد الرغبات الضمنية بذلك، ما يعني أن هناك عملية انتظار مرشحة لأن تطول و«أبشر بطول إقامة يا شغور»؟ من اليوم التالي على 14 يونيو (حزيران) دخل لبنان مرحلة تأزمٍ جديد سياسياً وطائفياً ومذهبياً يصعب التكهن بنهاياته. لذلك؛ من الطبيعي أن تتركز الأنظار على نبيه بري، الذي رشح فرنجية وهو رئيس البرلمان والممسك بآلية الدعوة إلى الانتخابات.
وقد نُقل عنه أنه يردد المثل الصيني: «بعد الحرب ماذا في اليوم التالي»؟ وسبق له وأن أبلغ وفد البطريركية المارونية أن «لا رئيس قبل الحوار»، فهل تخلى «حزب الله» عن وصفته «الحوارية» التي تقوم على «الإقناع» بمرشح الثنائي مثلاً؟ بمعنى أن جلسة الانتخابية التي رسمت موازين قوى نيابية مغايرة، وإن مؤقتة، هل ستفرض تدويرَ زوايا؟! ليس سهلاً على قوة شمولية كـ»حزب الله» التراجع عن مواقع هيمن عليها؛ الرئاسة بين يديه، ورئيس البرلمان «حليفه»، ومنذ العام 2011 يشكل الحكومات وهو ممسك بقرار البلد. لذلك؛ ما من مفاجأة أن يُبلغ حسن نصر الله وفد البطريركية المارونية أن مفهومه لـ«عدم الطعن بالظهر» يصل حدَّ طلب تشريع السلاح اللاشرعي، وإدخال تعديلات دستورية! دعونا إذاك نتخيل الدور المتبقي للرئاسة، والمرتجى من أي حكومة أياً كان رئيسها وأعضاؤها، وأي نهجٍ سياسي سيتبع مع الإصرار على فرض أساس يوئد الإصلاح السياسي والمالي والاقتصادي! هنا ينبغي الأخذ في الاعتبار ما قيل من أن اللواء عباس إبراهيم حمله من باسيل إلى «الحزب» وفيه: «أنا مش رايح بالمواجهة للآخر قطعولي الأربعاء وبعدها منروح نتناقش بخيار ثالث»! وتوازياً، برز رفض وليد جنبلاط ما وصفه بفكرة العزل ودعوته إلى الحوار. لأنه بدءاً من اليوم هناك جديد على قاعدة فشل الفرض من جانب «حزب الله»، وفشل معارضيه بإيصال رئيس... وستطوى حكايا الابتزاز بأن المرشح أزعور محرر الرئاسة واستعادة القرار! كل ما تقدم يعني أن الكتلة النيابية التي صوتت لأزعور مؤقتة، وقابلة لتشقق وتصدع. ومع التنبه لوجود كتلة من نحو 15 نائباً رفضت الترشيحين، وأخذاً في الاعتبار التبدل في المبادرة الفرنسية عشية زيارة الموفد الرئاسي جان إيف لودريان، لا بد أن تفتح الأبواب مستقبلاً أمام ابتكار «تسوية»، تجدد «تعايش» الطائفيين، وتبقى الحلول مؤجلة! هنا سيكتشف المتعجلون على تبييض صفحة باسيل، ممن أوصلهم للبرلمان التصويت العقابي، أنهم مارسوا سطواً فجاً على خيارات الناس، وارتضوا أن يكونوا حطباً خدمة لمشاريع الآخرين! في المحصلة، هناك سقوط لنهج إلغاء السياسة عبر الإقفال التعسفي للبرلمان، وهناك تعذر لإمكانية استئثار فريق بسلطة أضعفوها لمصلحة زعماء الطوائف والميليشيات ليتأكد أن في التعددية حماية. يبقى الأساسي في هذا الصراع الفوقي تغييب الناس بعدما أسقطوا هموم الذين أفقروا ونهبوا، لتعزيز أدوار طائفية ومواقع فئوية. وبالتالي، انتشال البلد مستحيل عبر القوى التي دمّرته، وصنّاع الخراب ليسوا رواد إعادة إعمار! إن رفض استنساخ العهد العوني من خلال فرنجية تتمته رفض ترشح أزعور؛ لأن الترشيح رسالة تحدٍ بإعادة صياغة الانهيار لمصلحة من ساهم بالإفلاس! فمسار الإنقاذ يفترض إنهاء الخلل الوطني بموازين القوى، ليكون الرئيس في موقع القادر على مقاربة السلاح اللاشرعي والسيادة وقضية اللاجئين واستعادة الثقة الشعبية لبدء إعادة البناء على قاعدة قدسية الرغيف والاستشفاء ورفع الإذلال وحماية الحقوق!