بقلم:حنا صالح
حدثان تقدما سواهما في الأيام الأخيرة، سيطبعا الوضع في بلدٍ بات الشغور الرئاسي فيه هو القاعدة، وعلى المواطنين التعود على تفاقم الانهيار وتعاظم الاهتراء وانعدام قدرتهم على العيش والاستمرار!
الحدث الأول شَغَل اللبنانيين إلّا السلطة، تَمثّل بمرور 10 أيام على مذكرة التوقيف الدولية التي أصدرها القضاء الفرنسي بحق رياض سلامة المتهم بارتكاب جرائم مالية طالت اختلاس مالٍ عام وتبييض أموال، كما انقضاء أسبوع على تبلغ النشرة الحمراء للإنتربول، تتصدرها صورة الحاكم الفارّ من العدالة، تُجاوِر صورته صور أخطر المجرمين العالميين. قوبل الحدث بصمت وتجاهل وأداء سريالي من السلطة كأن الأمر يتم في بلدٍ آخر. لم تتم إقالة سلامة ولا كُفّت يده، وانتظر القضاء القرار السياسي!
بقي الحاكم في موقعه يتابع السياسة المالية إياها التي رسمت ونفّذت أكبر حالة «بونزية» من سطوٍ على المال العام وأكثر من 100 مليار دولار هي ودائع لنحو مليون ونصف المليون مواطن. ورغم الإعلان عن تعذر العثور عليه، أكثر الحاكم من إطلالاته المتلفزة معترفاً بحجم الكارثة ليحضّ القضاء على البدء بملاحقة السياسيين، ويوزع شهادات بالوطنية في كيفية مواجهة ضغوط الخارج، لتُلاقيه مؤخراً السلطة بكل أطرافها، بتوافق شكّل قمة اللامسؤولية، قضى ببقاء سلامة حتى نهاية ولايته! والذريعة أن المتبقي 40 يومَ عمل! توافُق سريالي جمع إلى ميقاتي بري و«حزب الله» وجنبلاط وفرنجية والتيار العوني، الذين أسقطوا المصلحة الوطنية وتجاهلوا المسؤوليات المترتبة على لبنان لتخلفه عن التعاون الدولي في مكافحة الفساد!
انعدم التعاطي القانوني والأخلاقي لدى الجهات المعنية بأخذ موقفٍ من الجرائم المنسوبة إلى سلامة. الموقف الرسمي والحالة الانتظارية قبل استدعائه من القضاء اللبناني كما الفجور الإعلامي، عناصر دعمته بتأكيد الامتناع عن تسليمه للقضاء الفرنسي، وتجهيز سيناريو إنقاذه وتبرئته! إنه مخطط خطير ينجز مسبقاً خلاصات قضائية تزعم أنْ لا اختلاس لأموال عامة، أما مئات الملايين المتهم بتبييضها فهي عمولات نظير خدمات تسقط بمرور الزمن كونها تمت قبل عام 2015! وتزامناً بدأ الترويج لكل ما يشير إلى مظاهر انهيار القيم بعد تمزيقهم الدستور والقانون من نوع: سرق لكنه حمى البلد، غيره سرق أكثر منه، ولماذا لا تتم محاكمة مَن سرق من الطوائف الأخرى... إلى آخر المعزوفة!
متسلطون مكابرون يعممون كمَّ الأفواه ومصادرة الحريات واحتجاز العدالة كي يستمروا فوق المحاسبة. أما «حمايتهم» لسلامة فهي حماية لارتكاباتهم، وعدم تسليمه يندرج في سياق منع انهيار المنظومة، واستبعاد محاسبتها فيما لو تم الرضوخ للقضاء الدولي الذي طلب الكشف عن سرّية عشرات الحسابات، ما يعني أن الشبهات ستطول كثيرين! وما هم لو استكمل عزل لبنان بوقف البنوك المراسلة العمل مع البنوك اللبنانية!
وتمثل الحدث الثاني باندفاع «حزب الله» في الاستقواء احتفاءً بذكرى التحرير. وما دام التحرير قد أُنجز عام 2000 فلماذا الميليشيات والسلاح خارج الشرعية؟ المؤكد أن استعراض القوة وما رافقه من إبهار بصري نقلته كاميرات الإعلام المحلي والعالمي، والهالة التي قدمتها محاكاة عملية اقتحام نفّذتها الدبابات والآليات ومسيّرة إلى أعداد من المقنعين، لم تخدع الناس وتقنعهم بأن تعاظم الحضور العسكري للذراع الرئيسية في «فيلق القدس» مرتبط بالإعداد لمواجهة العدو! بل إن هذه المشهدية استهدفت بداية إعلان قمة جدة «رفض ظاهرة الميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق المؤسسات داخل الدول العربية»، ورفع بطاقة حمراء بوجه العرب وأكثرية اللبنانيين بتوجيه رسالة مفادها أن لبنان باقٍ رهينة السلاح الميليشياوي المتجذر ضمن محور الممانعة. ما يعيد إلى الأذهان أنهم لم يتخلوا عن هدف تركيز الدويلة وتكريسها وفق ما حملته «رسالة المستضعفين»!
بالتأكيد، هناك جانب آخر لمشهدية كشفت عن الموقف المخزي للسلطة التي دفنت رأسها في التراب لتؤكد بُعد سقوطها الأخلاقي وانتفاء صلاحيتها الوطنية، متجاهلةً وجع الناس وقلقهم وآلامهم وواقعهم المزري. ضرب هذا الجانب عرض الحائط بأوضاع الناس والبلد، مستهدفاً المقارنة بين الهالة الميليشياوية التي تابع الناس تفاصيلها، وبين مؤسسة عسكرية تَجهد للحصول على تبرعات غذائية لعناصرها ودعم للرواتب لضمان الانتقال والبقاء على قيد الأمل. صورة استهدفت التيئيس لدى المقارنة بين ما هي عليه ميليشيا الدويلة من إمكانات من إيران ومصادر أخرى (...) وبين صورة جيش تعكس حطام مجتمعه وتراكم أوجاعه!
وفي زمن الشغور الرئاسي المشغول بدقة، ترتدي هذه المشهدية بعداً آخرَ. فلبنان اليوم أمام قوة أمر واقع عاجزة عن الفرض تقابلها «معارضة» نظام محاصصة غنائمي تمتلك، حتى الآن، ورقة الرفض والتعطيل! فليس ما هو أشد أثراً من هذا الإبهار لفرض إملاءات «حزب الله» الرئاسية، بعدما تبين أن تفرده بتشكيل الحكومات منذ أكثر من عقد، وهيمنته على القرار، لم يمكّناه من تمديد هيمنته على الرئاسة!
أُصيب ترشيح سليمان فرنجية بنكسات، رغم مؤشرات مؤيدة، من دعمٍ إيراني مفتوح إلى التبني الفرنسي، والأخير يراهن على استمالة «حزب الله»، قوة الأمر الواقع، ارتباطاً بمصالحه الاقتصادية والنفعية! فضلاً عن مؤشر الصواريخ المجهولة المعلومة، إلى استعراض القوة والاستقواء، لـ«إقناع» المترددين بأن المسار الرئاسي هو مسار غلبة السلاح الخارج عن الشرعية!لا يواجَه مسار الوعيد، والمنطقة تشهد متغيرات عميقة، بأن إنهاء الشغور الرئاسي يكون بتغييب البرنامج وهرولة «معارضة» النظام إلى جبران باسيل، بكل ما يرمز إليه، والرهان على صفقة معه، ليتبين في الحصيلة أنه فاز بالحوار والدور وراح يساوم الفرنسيين وينتظر رسائل من «حزب الله»، ليتعمم عندها الانهيار القيمي والأخلاقي!