محكمة الحريري أبعاد تجريم «حزب الله»

محكمة الحريري... أبعاد تجريم «حزب الله»!

محكمة الحريري... أبعاد تجريم «حزب الله»!

 العرب اليوم -

محكمة الحريري أبعاد تجريم «حزب الله»

بقلم: حنا صالح

وحدها العدالة تزيح الظلمة الحالكة عن وجه لبنان، وهي ما سيؤمن المعايير لكي تطبق على كل الجرائم الخطيرة التي قُيِّدت ضد مجهول، أو التي تجهد الأكثرية المتسلطة لحجب حقيقتها وتعليق العدالة بشأنها، كجريمة تفجير المرفأ التي رمّدت قلب بيروت وأسقطت 240 ضحية في أكبر إبادة جماعية بعد الحرب!

أحكام المؤبد التي أصدرتها المحكمة الخاصة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يوم الخامس عشر من الشهر الجاري، جرّمت المسؤولين الأمنيين الكبار في «حزب الله» حسن مرعي وحسين عنيسي، بعد سليم عياش، فكان أن وضعت العدالة في التطبيق، وإن كانت عدالة مؤجلة، لأن تطبيق الأحكام وتنفيذها في لبنان معلق ارتباطاً بالظروف السياسية التي يمر بها البلد.
من كمبوديا إلى صربيا والبوسنة مروراً برواندا وسيراليون غيرها، شكلت العدالة ممراً إجبارياً لرفع الظلم واستعادة الاستقرار، عندما تم تحميل القتلة وزر الجرائم التي ارتكبوها، وتيقّن المواطنون في هذه البلدان، أن يد القضاء، وإن تأخرت، بمقدورها في نهاية المطاف أن تؤمن العدالة للضحايا كما للأحياء! لكن التعامل المريب في لبنان مع الأحكام الصادرة عن غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية، سواء من قبل الوسط السياسي الرسمي أو الجهات السياسية الأخرى، أبرز صورة فظة لطبقة سياسية رافضة للعدالة الدولية فيما هي تتوسل دول الغرب والشرق أي دعم حتى ولو وجبات غداء للجيش والقوى المسلحة!
الأكيد أن الأحكام التي تمثل «العقوبة الأقصى المنصوص عليها في النظام الأساسي للمحكمة»، استوقفت المواطن اللبناني الذي يطالب بقضاء مستقل محرر من القيود والتبعية، فهاله اللامبالاة في موقف رئاسة الجمهورية كما رئاسة الحكومة إلى البرلمان وبقية المقرات السياسية. كما أن الجهات الأمنية والقضائية تجاهلت بدورها تأكيدات المدعي العام الدولي نورمان فاريل من أن «العدالة تطالب بالقبض عليهم»... ودعوته حماة المحكومين إلى «تسليمهم إلى المحكمة الخاصة بلبنان، كما دعوة المجتمع الدولي إلى اتخاذ أي خطوات متاحة للمساعدة في اعتقالهم». لذلك لا يمكن تفسير هذه اللامبالاة، وغياب أي صدى للأحكام، إلا بأن الجهات الرسمية، كما القوى السياسية الأخرى، تريد طي صفحة المحكمة الدولية والانتهاء من هذا الأمر المربك سياسياً والمكلف مالياً، الذي لا نتائج عملية مباشرة ملموسة له لجهة تنفيذ الأحكام.
كان معروفاً أن «حزب الله» لن يتوقف عند حكم المحكمة الدولية، وهو أطلق بداية التهديدات محذراً من أي قرارٍ اتهامي يصدر عنها، ولاحقاً أحلَّ المدعى عليهم من قياداته الأمنية في مرتبة القداسة (...)، ليعلن في مرحلة لاحقة أن المحكمة الدولية غير قائمة، بعدما فشل في منع التعامل معها، وتعذر عليه منع تمويلها المستمر حتى 15 يوليو (تموز) القادم، آخر موعد لإقفال أبوابها قبل أن تحقق الرهان الذي وضع عليها، ألا وهو طي صفحة الإفلات من العقاب في لبنان. وروّجت بعض الأبواق من مريدي «الحزب» بأنه لم يخسر شيئاً لأن المحكمة التي رفضها منحازة، وضمناً التزمت هذه الرؤية أطراف سياسية تشاركت معه تحاصص حكومات «الوحدة الوطنية»، فأقرت باكراً أن المسار القضائي، أياً كان، منفصل عن التنسيق السياسي و«ربط النزاع»، والجهة السياسية الأكثر تعبيراً عن هذا المنحى كان سعد الحريري وفريقه، وهو في نهاية المطاف «ولي الدم»!
لكن مهلاً، إن الأحكام القضائية المبرمة، وأحكام المؤبد خمس مرات، والحيثيات التي وردت في متن قرار الاتهام وأكدها صدور الأحكام بالإجماع، تحتم على السلطة تعقب المحكومين والقبض عليهم وتسليمهم إلى المحكمة الدولية، لأن قانون المحكمة يلزم السلطات اللبنانية تنفيذ القرارات الصادرة عنها. هنا يجدر التمعن في مضمون الحكم وأبعاده، فالإدانة والعقوبة لم تصدر عن جهة سياسية دولية ما بقصد تجفيف المصادر المالية لـ«حزب الله»، بل صدرت عن أعلى هيئة قضائية دولية أدانت الطرف الحزبي الميليشياوي الأقوى، المتغول على السلطة، المسؤول عن اختطاف الدولة بالسلاح والمستبيح للحدود، والمدجج بالمال والسلاح حتى أسنانه. وأعلنت المحكمة بما لا يترك أي لبس، أن جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان، ما كانت لتتم إلا في إطار «مؤسسة إجرامية» بوسعها أن تمتلك 2500 كلغ من المتفجرات العسكرية التي لا تقتنيها إلا الدول، ولديها إمكانية التنقل الهادئ بها في شوارع مكتظة بالناس!
لن يمر بيسر التعامي عن أحكام المحكمة الدولية، لا بل ستكون لها تداعيات على مجمل الوضع اللبناني، خصوصاً في ظلِّ الانهيارات المتفاقمة، التي لا يمكن التغافل عن مسؤولية «حزب الله» عنها. إنه الطرف الذي يحمي نظام المحاصصة ويقود توازناته الفئوية الطائفية المتسلطة وقواه التي تمارس الاستقواء. وقد اتسع حجم استئثاره بعد تنفيذ القرار الكبير بإزاحة رفيق الحريري جسدياً، الأمر الذي وُضِعَ في التنفيذ، إثر مرحلة انفلات التغييرات الديموغرافية التي شهدها العراق، بعد إسقاط نظام صدام حسين في عام 2003.
نفتح مزدوجين للإشارة إلى أن الاستهداف ارتبط في حينه بما مثله الحريري من رمز لأوساط واسعة، خصوصاً من أهل السنة والجماعة، بما تجاوز لبنان إلى سوريا وأبعد منها. وتعرضت هذه الأوساط لشيطنة غير مسبوقة إثر غزوة بن لادن لنيويورك في 11 سبتمبر (أيلول) 2001. لقد كان الحريري الشخصية السياسية الأجرأ بعد 11 سبتمبر الذي زار واشنطن وباريس ليحاور من التقاهم عن لا عقلانية توجيه اتهامات الإرهاب ضد العرب، وضد أكثر من مليار مسلم سني حول العالم. والأكيد أن الجهد الذي قام به الحريري فتح أبواب الجحيم عليه، لأنه لفت انتباه محاوريه إلى حجم التنسيق بين نظام الملالي في طهران من جهة وتنظيم «القاعدة» وبن لادن شخصياً من الجهة الأخرى، وصوّبَ على المسار الإرهابي الممتد من بيشاور وأفغانستان إلى الخرطوم (البشير وحسن الترابي) الذي تحولت طهران إلى قاعدته الخلفية.
بفعل تغول الدويلة تمكن «حزب الله» من صياغة سيبة سلطوية وفق مشيئته ومصالحه، بما يخدم مخطط اقتلاع لبنان وجعله جزءاً من مشروع «ولاية الفقيه»، ورغم ثورة «17 تشرين» التي فجرها نهج ارتهان البلد للخارج بعد إفقاره وإذلال أهله. ورغم التصويت العقابي في الانتخابات، ودخول البرلمان كتلة نيابية تمثل الثورة، فإن «حزب الله» لم يتراجع عن مشروع استتباع لبنان في القرن الـ21 لدولة دينية مذهبية!
في «17 تشرين» نزل مئات الألوف إلى الطرقات ليعرّوا طبقة سياسية انكشف فسادها وبانت لصوصيتها، وفي 15 مايو (أيار) 2022 شهد لبنان أول تصويت عقابي بوجه كل الطبقة السياسية وحزبها القائد، واليوم لن يتأخر الوقت ليصل البلد إلى مرحلة أنه ما من مبرر للتعامل مع «حزب الله» الخارج عن النسيج اللبناني، وعندها رغم التعقيدات التي ستحيط بهذا الطرح فإن الانسداد السياسي لن يكون أعقد مما هو عليه اليوم!

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محكمة الحريري أبعاد تجريم «حزب الله» محكمة الحريري أبعاد تجريم «حزب الله»



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab