دفاعاً عن الاتفاق مع صندوق النقد

دفاعاً عن الاتفاق مع صندوق النقد!

دفاعاً عن الاتفاق مع صندوق النقد!

 العرب اليوم -

دفاعاً عن الاتفاق مع صندوق النقد

بقلم -حنا صالح

لا يعد صندوق النقد الدولي الخيار الأفضل شعبياً لتجاوز الأزمات، لكن ظروف لبنان، بعد أكثر من أربعين شهراً على الانهيار الكبير، جعلته الخيار الأوحد. فما الذي جرى لجعل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على تنفيذ حزمة برامج خياراً لا بديل عنه؟ ولماذا أوصلت السلطات اللبنانية هذا الخيار إلى حائط مسدود؟ ووضعت لبنان أمام خطر التفكك والتشرذم والتلاشي؟
غداة ثورة «17 تشرين»، لم يكن هذا الخيار ممراً إجبارياً لبدء انتشال لبنان. يومها كانت الموجودات في مصرف لبنان (الودائع) تفوق الـ35 مليار دولار، ولدى المصارف التجارية نحو 10 مليارات، لو نجحت الثورة في فرض حكومة مستقلة، لأمكن لها أن تستعيد سريعاً الثقة مع الداخل والخارج، مع فتحها صفحة مساءلة ومحاسبة، منها إطلاق تحقيقات شفافة تطال أوضاع القطاع المصرفي وحسابات المودعين.
للتذكير، كان نادي القضاة (25 في المائة من قضاة لبنان) قد طالب استناداً إلى القانون 144 لعام 2015، بتجميد حسابات كل الكبار للتدقيق فيها (الرؤساء والوزراء والنواب والقضاة والضباط وكبار الموظفين...)، وحثّ مصرف لبنان، انطلاقاً من القانون إياه المستند إلى قوانين الأمم المتحدة لمكافحة تبييض الأموال والتهريب، على مخاطبة المصارف العالمية لتجميد هذه الحسابات في الخارج للتحقيق بها. كل ذلك كان يمكن أن يطلق «مشروع مارشال» لبنانياً، استناداً إلى الموجودات والشفافية والثقة المستعادة! لكنهم أهملوا الطلب!
السياسات المالية والنقدية والاقتصادية التي اتُّبعت بعد ذلك، مع حكومتي «حزب الله» الأولى برئاسة دياب، والثانية برئاسة ميقاتي، لم تبدل أنملة في السياسات التي أدت إلى الانهيار. وتركت إدارة المال بين يدي الحاكم رياض سلامة، فنجح في المساهمة بمنع إقرار «كابيتال كونترول» ما أتاح لـ«المحظوظين» تهريب المليارات إلى الخارج، وأطلق تعاميم خلقت نحو 8 أسعار صرف للدولار، ليضيق الخناق على الليرة لتفقد حتى اليوم نحو 97 في المائة من قيمتها! فيتم تذويب نحو 40 ملياراً من الودائع ليخفف الضغط على الناهبين!
ولئن كانت هذه السياسة المنسقة مع كارتل مصرفي نهب ودائع تفوق الـ100 مليار دولار، فقد كانت محمية من السلطة الإجرائية والتحالف المافياوي، فوسّعت من حالات الإثراء غير المشروع، وبذريعة دعم المحروقات وسلع غذائية نشط «التهريب» عبر حدود مهيمن عليها من «حزب الله» لتمول الدويلة وميليشيات النظام السوري والاحتكارات، ليتفاقم العوز! ولولا أموال المغتربين (مليارات في السنة)، وتحسب عشرات ألوف الأسر لتعممت المجاعة، لكنهم دمروا الطبقة الوسطى وفاقموا هجرة الكفاءات، وبات من هم على خط الفقر أكثر من 80 في المائة. وسرعان ما بيّنت التحقيقات الأوروبية أن سلامة يتقدم عصبة من الأشرار، متهم بجرائم مالية مثل تبييض الأموال والإثراء غير المشروع والاختلاس والتزوير، وهذا ما بينته التحقيقات اللبنانية فادعت عليه الدولة ممثلة بـ«هيئة القضايا» في وزارة العدل، وطلبت تجميد حساباته ومنعه من التصرف بممتلكاته ومنعه من السفر وتوقيفه وإحالته إلى محكمة الجنايات، لكن السلطة الإجرائية امتنعت عمداً عن القيام بواجبها الذي يقضي بكف يد سلامة فوراً، فأبقته على رأس حاكمية مصرف لبنان!
لقد قالت التجربة اللبنانية، وبالأخص السنوات القليلة ما بعد «ثورة تشرين»، إنه ما من عدو بوسعه إلحاق الأذى بالمواطنين وبمصالح لبنان، أكثر من التحالف المافياوي المستبد: السياسي، المصرفي والميليشياوي المدعوم من كارتلات احتكارية متجذرة، وتحكم هذا التحالف بالرقاب وحياة الناس ومصائرها! فكل الانهيارات تُركت تتسع وتتعمق ليتحول لبنان إلى مجرد جغرافيا محروقة، لم تحدث بالصدفة، بل بفعل منظومة نشأت في كنف الاحتلال السوري، ونقلت البندقية بعد عام 2005، إثر إجهاض «انتفاضة الاستقلال»، إلى كنف «حزب الله» وكيل مشروع هيمنة ملالي طهران... فكانت هذه المنظومة مطمئنة إلى أنه ما من جهة يمكن أن تلاحق أو تحاسب. شرعوا قانون «الإفلات من العقاب»! واستتبعوا القضاء فحرموا الناس من العدالة، فما من متهم، وإن تجرأ قاضٍ وحكم لمودع تدخلت السلطة الإجرائية وعطلت التنفيذ!
حجم الانهيارات وضغوط الداخل والدول الداعمة للبنان حتّمت الذهاب إلى صندوق النقد، ولم يكونوا جادين بل أرادوا تأشيرة تجديد قبول اعتماد من الدول المانحة! الخفة كشفتهم فوجدوا مؤسسة دولية تطالبهم بتنفيذ كثير مما تعهدوا به من مؤتمرات «باريس 1 و2 و3» و«سيدر» وضمنوه بيانات حكوماتهم أي الإصلاح.
واللافت أن «اشتراطات» صندوق النقد بدت متماثلة مع طروحات القوى الحية في المجتمع اللبناني، لا سيما التشرينيين، خصوصاً لجهة بسط سيادة الدولة واستعادة السيطرة على الحدود والثغور، لوقف التهريب فاستعادة الواردات وتحديد الخسائر وكسر حجر أساس «منظومة النيترات»، وبوصلتها، وحماية التحالف المافياوي وتدفيع المسروقين ثمن ما سرقه اللصوص!
على مدى الفترة بين 6 أبريل (نيسان) 2022 و23 مارس (أذار) 2023، بين توقيع «الاتفاق المبدئي» واتهام بعثة صندوق النقد من بيروت الحكومة والبرلمان ومصرف لبنان بعرقلة الحلول في تجاهل متعمد للكارثة، كان تيار المصارف في البرلمان متحالفاً مع «حزب الله» قد اعتمد استراتيجية محاربة الصندوق، لأن الأخير يشترط التدقيق في حسابات البنوك، ورفع السرية المصرفية كاملة، ويتمسك بتدقيق جنائي بالودائع لمعرفة حقيقتها ومصدرها، وأن هيكلة المصارف لا تقبل التأجيل، فالمصرف القادر على الرسملة يستمر وإلاّ الخروج!
بعض ما يقال، وله أساس، عن قسوة برامج صندوق النقد، بدا لا شيء أمام إجرام التحالف المافياوي اللبناني الذي ارتهن البلد إلى الخارج. لقد صدمه رفض صندوق النقد لاقتصاد الظل، (الاقتصاد الأسود). أي الاقتصاد «الموازي» الذي أنشأه «حزب الله» وكذلك «القرض الحسن». وصدمه رفض بعثة الصندوق حالة الإنكار وعدم الاعتراف بحجم الخسائر وتشديده على المصارف لتسديد الودائع... إلى التحفظ على تعدد أسعار الصرف، كما بدعة «صيرفة»، ومطالبة المصرف المركزي بوقف تمويل الحكومة. ويلفت الانتباه تعامي تيار المصارف النيابي عن إثارة بعثة الصندوق المخاطر عن الحدود السائبة وعن التهريب وتمويل الإرهاب!
بعد سبتمبر (أيلول) سيكون متعذراً دعم رواتب العسكريين، تحذير البعثة الدولية هذا لم يجد آذاناً صاغية مع أن مخاطر الانهيار الأمني قد تكون مفجعة. كما لم يجد مَن يصغي إلى التحذير، من مخاطر اتساع الدولرة والاقتصاد غير الرسمي ومخاطر عمليات غير شرعية تهدد بتصنيف لبنان على اللائحة الرمادية ما يعني عزلة مالية للبنان... كل ذلك يؤكد أن المتسلطين الذين غيبوا السياسة باعتبارها فناً نبيلاً في خدمة الناس وإدارة شفافة للبلد، يمعنون بالتفاهة والتعصب والحقد الطائفي (أخيراً قصة التوقيتين) من جهة بوهم إعادة ترسيخ قناعات بأن لا فكاك من نظام المحاصصة الغنائمي، ومن الأخرى بالدفع إلى الانسحاب من الاتفاق مع الصندوق، كما يكشف محذراً سعادة الشامي نائب رئيس الوزراء، الذي ينبه إلى أن البعض «ينتظر أن ينهار لبنان كلياً ظناً منه أن بإمكانه أن يبنيه من جديد وعلى قياسه»! لذلك لا بديل عن التمسك بالاتفاق مع صندوق النقد.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دفاعاً عن الاتفاق مع صندوق النقد دفاعاً عن الاتفاق مع صندوق النقد



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا
 العرب اليوم - وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 00:21 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مشروب طبيعي يقوي المناعة ويحمي من أمراض قاتلة
 العرب اليوم - مشروب طبيعي يقوي المناعة ويحمي من أمراض قاتلة

GMT 14:11 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
 العرب اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الكتاتيب ودور الأزهر!

GMT 10:15 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 18:11 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النصر يعلن رسميا رحيل الإيفواي فوفانا إلى رين الفرنسي

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

حنبعل المجبري يتلقى أسوأ بطاقة حمراء في 2025

GMT 21:51 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

انفجار سيارة أمام فندق ترامب في لاس فيغاس

GMT 22:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

27 شهيدا في غزة ومياه الأمطار تغمر 1500 خيمة للنازحين

GMT 19:32 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صاعقة تضرب مبنى الكونغرس الأميركي ليلة رأس السنة

GMT 10:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صلاح 9 أم 10 من 10؟

GMT 08:43 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

باكايوكو بديل مُحتمل لـ محمد صلاح في ليفربول

GMT 06:02 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

ريال مدريد يخطط لمكافأة مدافعه روديجر

GMT 00:30 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

25 وجهة سياحية ستمنحك تجربة لا تُنسى في عام 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab