اغتيال معاوية

اغتيال معاوية!

اغتيال معاوية!

 العرب اليوم -

اغتيال معاوية

ممدوح المهيني
بقلم - ممدوح المهيني

في مقابلة ببرنامج الزميل خالد مدخلي «سؤال مباشر» على «العربية» أثار الكاتب والباحث السعودي عبد الله الرشيد نقاطاً عدة في حديثه عن طريقة التعامل مع التاريخ الإسلامي، وعن شخصية معاوية بن أبي سفيان بعد الجدل الذي دار حوله مؤخراً.
نقطة مهمة أثارها الرشيد، وهو أن التاريخ الإسلامي أصبح يُقرأ بطريقة مشحونة، وبمجرد استحضار شخصية مهمة في التاريخ تنطلق الجدالات والانقسامات العقدية والطائفية. ويقول إن التاريخ اختطف من هؤلاء المتعصبين الذين يريدون تقديم نسخة معينة من التاريخ تخدم مصالحهم ورؤيتهم وسيطرتهم على القلوب والعقول في حاضرنا. هذه نقطة مهمة لأن تاريخنا تعرّض للقص واللزق والتركيب والحذف؛ ليشكل صورة مشوهة منه. صورة دعائية إيجابية أو سلبية، ولكن لا علاقة لها بالتاريخ.
هذا ما يفعله المتطرفون من السنة والشيعة والتنظيمات الإرهابية من الطرفين. بالنسبة لهم، الوصاية على الماضي تعني الوصاية على الحاضر. روايتهم للتاريخ تصبح هي الرواية الوحيدة، وأي خروج عليها هو خروج من الدين نفسه. أزمة فكرية بحق الثقافة والتاريخ العربي الإسلامي الذي لا يقل عن تاريخ حضارات وأمم أخرى تخطت هذا الأسلوب البوليسي في قراءة التاريخ.
يطالب الرشيد بالخروج من هذه الحلقة المفرغة، وتجاوز القراءة الإيمانية للتاريخ الإسلامي وكأن ذلك حرب بين المسلمين و«الكفار» أو حرب طائفية سنية شيعية - وهذه القراءة الأصولية - ولكن قراءته بطريقة علمية تقرأ طبائع البشر ونزعاتهم التي يختلط فيها الخير والشر والفضائل والرذائل.
النقطة الأخرى التي أثارها أن هذه القراءة للتاريخ تحوّلت إلى فخ لجمهور المثقفين والمختصين وشريحة من القرّاء الذين تسربت لهم هذه الرواية الأصولية للتاريخ، فقلّلوا من أهمية تاريخهم وابتعدوا عنه وعن شخصياته الكبيرة بكل تعقيداتها. وهذا ربما يُفسر تراجع الدراسات أو السِّير الذاتية الحديثة عن شخصيات مهمة في الحضارة الإسلامية تقرأه بطريقة عميقة، وتستخدم أدوات البحث العلمي من دون أن تنزلق إلى القراءة الإيمانية التبسيطية.
مؤخراً أعدت قراءة كتاب المفكّر طه حسين «الشيخان» عن شخصية أبو بكر وعمر بن الخطاب، ورغم أن طه حسين توفي قبل ما يقارب 50 عاماً، فإنه لم تصدر كتب كثيرة تتحدث بعمق عن هاتين الشخصيتين العظيمتين في التاريخ بمثل ما كتبه. صحيح أن التخويف والتهديد من قبل المتطرفين أخاف باحثين من الخوض في هذه التفاصيل مرسخين صورة تقديسية عن الماضي. وساعدت حكومات داهنت الأصوليين، وروجت خطابهم وأفكارهم في المدارس والكليات حتى خلّفت تاريخاً سطحياً كاركتورياً في عقول الطالبات والطلاب عن تاريخهم يجعل شخصيات متوترة هائجة لا تقبل أي نقد أو ملاحظة على اعتبار أنها انتقاص من دينهم وعقيدتهم. شحنهم بتاريخ مفبرك ملغم يسهل بعد ذلك زرع أفكار الكراهية نحو أديان وطوائف وثقافات أخرى. وهذه هي خطة الأصوليين وقد نجحت بوقتها، ولهذا تُفهم استماتتهم في السيطرة على التعليم.
وتطرّق الكاتب في المقابلة إلى معاوية بن أبي سفيان، وهو بلا شك شخصية كبيرة وعظيمة في التاريخ. وبدل أن يجذب هذا الطرح من خلال المسلسل الذي تحضره قناة «إم بي سي» نقاشات فكرية وثقافية، تحوّل إلى زوبعة طائفية وعقائدية. وهذا يعود بنا إلى نفس الفكرة، وهو حبس التاريخ في قالب واحد، وعدم الخروج منه وقراءته بأكثر من زاوية حتى لو تعارضت، وهذه طبيعة الأشياء. وبرأيي أن في التاريخ الإسلامي والعربي حدثت محاولات اغتيال لشخصيات كثيرة، من بينها شخصية معاوية الذي يجب ألا يخرج من عصره ومحيطه، ولكنه شخصية استثنائية مفصلية في التاريخ الإسلامي ومؤسس إمبراطورية مترامية الأطراف، ومن الممكن أن تستمد من سيرته عناصر التسامح والتعايش الذي أسسها في وقته؛ لتكون صالحة لحاضرنا الذي سممه خطاب الكراهية.
التاريخ كتاب مفتوح، ويمكن أن يقرأ بزوايا متعددة وأساليب مختلفة. وفي التاريخ الأميركي، وهو تاريخ حديث، تجد عشرات الكتب والسير المتعارضة عن شخصية واحدة. على سبيل المثال هناك مؤرخون يعدون جورج واشنطن شخصية عظيمة كانت القوة الحاسمة خلف نشوء الولايات المتحدة، وهناك من يعده مالك عبيد، وشنّ حروب إبادة على السكان الأصليين.
في تقديري أن التعامل مع التاريخ مهم بحد ذاته، وكذلك لفهم الحاضر والاستفادة منه حتى لا تكرر أخطاء الماضي، ومن الخطأ تقديس شخصياته أو اغتيالها معنوياً، ولكن دراستها من دون أن تثير غبار معارك لم تتوقف منذ 1400 عام.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اغتيال معاوية اغتيال معاوية



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab