رجال الدولة والجماهير الغاضبة

رجال الدولة والجماهير الغاضبة

رجال الدولة والجماهير الغاضبة

 العرب اليوم -

رجال الدولة والجماهير الغاضبة

بقلم - ممدوح المهيني

يروي رجال الخارجية المصرية معارضتهم ونقمتهم على الرئيس السادات في مفاوضات «كامب ديفيد». وبعضهم كتب في مذكراته أنه رفض الحضور للتوقيع، ومنهم من استقال وهاجموه. ولكن رغم هذه المعارضة من داخل حكومته فإن السادات كان رجل دولة بالمعنى الحقيقي. تجاهلهم وعزلهم من المفاوضات، وقرر المُضي في قراره الشجاع الذي أثبت أنه الأصلح لوطنه. استعاد أرضه، ودفع بلده في اتجاه الاستقرار، ومن حينها لم تدخل مصر في حرب مدمرة. وعلى عكس الرئيس عبد الناصر، لم يكن السادات رهينة لأصوات الجماهير وهتافهم، ولم يرتعش ويتراجع لغضبهم. وهذه من علامات رجال الدولة؛ يتخذون القرارات الصعبة في أوقات حرجة، وظروف معقدة، وفي أحيان كثيرة على عكس رغبة الناس.

ماذا لو قرر رئيس الوزراء البريطاني تشرشل أن يمضي في سياسة الاحتواء التي مضى فيها سلفه تشامبرلين، الذي قال بسذاجة لشقيقته إنه رأى عيني هتلر، وشعر بأنه رجل يمكن أن يثق به، ويعقد معه صفقة؟ ماذا لو ذهب تشرشل في هذا الاتجاه، وصدق وعود الزعيم الألماني؟ من المؤكد أننا كنا نعيش في عالم مختلف، ترفرف فيه الأعلام النازية والفاشية. من حسن الحظ أن تشرشل قرر المواجهة، ولم يصدق خدع السلام التي كان يبيعها هتلر، في الوقت الذي كان يقضم فيه القارة الأوروبية بالتدريج. كان رجل دولة، اختار القرار الصعب في الوقت الصعب، ونحن نعيش في عالم أفضل، بسبب ذلك القرار المصيري. تذكروا أننا منذ ذلك الوقت لم نمر بحرب عالمية منذ أكثر من 75 عاماً، ولم نرَ هتلر آخر حتى هذا اليوم.

الملك فهد اتخذ قراراً تاريخياً بتحرير الكويت. تاريخ المنطقة كان كله يقف على قرار رجل واحد. ونعرف الاجتماع التاريخي الذي دار بينه وبين وزير الدفاع الأميركي ديك تشيني. وعلى الرغم من أن قرار جلب قوات أجنبية إلى الأراضي السعودية لم يكن قراراً شعبياً، وحرّك الأصوات المعارضة والغاضبة داخل السعودية وخارجها، فإننا نعرف بعد كل هذه الأعوام أنه كان القرار الصائب رغم صعوبته، وعدم شعبيته حينها. ولكنه حافظ على بلاده، وأعاد الاستقرار للخليج؛ المنطقة الحيوية للعالم. ولسنا بحاجة للتفكير كيف ستكون حال المنطقة لو لم يتخذ الملك فهد ذلك القرار المصيري.

وفي التاريخ الأميركي، يعد الرئيس لينكولن من أهم رجالها في التاريخ، ويحظى بمكانة كبيرة. لسبب واحد، وهو أنه أنقذ بلاده من التقسيم والتشرذم، وقرر أن يخوض الحرب الأهلية بين الولايات الجنوبية والشمالية التي استمرت طيلة فترة حكمه، قبل أن يتم اغتياله بعد أيام من نهايتها. وعلى الرغم من أن هناك من كان يعارضه في الشمال، واقترح تسويات وحلولاً وسطاً فإن هدفه الرئيسي كان الحفاظ على الاتحاد الأميركي. لو لم يتخذ لينكولن قراره الشجاع فمن المرجح أن أميركا التي نعرفها الآن، ربما لم تكن موجودة على الخريطة، وربما تفتت وتحولت إلى بلدان وأقاليم متفرقة.

وليست قرارات الحروب والسلام أيضاً هي التي تغير، ولكن أيضاً الاقتصاد يغير مصير الأمم، ويغير مسارها. رئيسة الوزراء البريطانية ثاتشر كانت مؤمنة بقيم السوق، والمنافسة بشكل عميق، ولكنها لم تظهر إلا القليل من هذه النزعة القوية؛ لأنها لم ترد أن تخاطر بصعودها السياسي التدريجي. كانت سياسية تتأرجح بين المثالية والواقع السياسي، وعملية، ولم تكن مستعدة للتصريح بأقوال قد تضر بمكانتها السياسية، وخصوصاً في الخمسينات والستينات، إذ عدّ الحديث عن السوق المفتوحة والمنافسة هرطقة تعارض العقيدة الاقتصادية المترسخة بسيطرة الدولة على الاقتصاد. حتى داخل حزبها المحافظ لم يوجد الكثير من الشخصيات التي تتفق مع إيمانها الكامل بأن المنافسة والسوق المفتوحة هما الوصفة الملائمة للاقتصاد البريطاني المتردي. زعيم حزب المحافظين في ذلك الوقت إدوارد هيث (الذي أصبح رئيساً للوزراء بين عامي 1970 إلى 1974) كان مؤمناً بالمزاوجة بين سيطرة الدولة والاقتصاد الحر. لكن الاقتصاد البريطاني استمر في الانهيار، ومعدلات التضخم ارتفعت بشكل غير مسبوق، وزادت البطالة، وانفجرت المظاهرات والإضرابات. بريطانيا العظمى التي شكلت الاقتصاد العالمي ركعت على ركبتيها، وطلبت قرضاً من صندوق النقد الدولي، والتي أسهمت يوماً في تأسيسه، بوصفها أول دولة صناعية تقدم على هذه الخطوة. في ذلك الوقت الحرج، وفي ذلك العام الغريب، جاءت ثاتشر لتغير المعادلة الاقتصادية، وتقلب الصورة تماماً. رأت ثاتشر في نفسها متمردة وثورية على العقيدة الاقتصادية المترسخة بعد الحرب العالمية الثانية التي نجحت في البداية لأسباب متعددة، ولكنها كادت تغرق البلد بعد ذلك. هذه المرأة الحديدية لم تكن تؤمن بالإجماع أو الاتفاق، بل كانت نزاعة للاستقطاب والتغيير الجذري. لقد نجحت أفكارها، وسادت مبادئها. منذ عام 1979 اتخذت بريطانيا مساراً اقتصادياً وحضارياً متصاعداً لحد هذه اللحظة. ماذا لو جبنت ثاتشر أمام المظاهرات والإضرابات، وانصاعت لرغبة الجماهير؟ الجواب معروف.

رجال الدولة يتحملون الأذى والهجوم واغتيال الشخصية، ولكنهم ينقلون شعوبهم لمستقبل أفضل. في مقابل زعامات تغرقهم بالعواطف وشعارات المقاومة ومواجهة الإمبريالية والاستعمار، ولكنها تتركهم وحيدين مع أطفالهم في مواجهة جحيم الصواريخ الهابطة من السماء!

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رجال الدولة والجماهير الغاضبة رجال الدولة والجماهير الغاضبة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة

GMT 08:39 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل السراويل الرائجة هذا الموسم مع الحجاب

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab