بقلم - ممدوح المهيني
لو عاد الرئيس ترمب للبيت الأبيض، فقد تكون صورته الجنائية أحد أهم الأسباب خلف ذلك. صورة السجين دونالد ترمب برقم P01135809 دخلت التاريخ لأنها الأولى من نوعها لرئيس أميركي يُجر إلى السجن ويصوّر مثل المخمورين والمغتصبين وتجار المخدرات.
هدف خصوم الرئيس ترمب إهانته أمام العالم وهناك من يريد منهم أن يقول إنه ليس هناك رجل فوق القانون، حتى لو كان رئيسا سابقا ورجل أعمال شهير تملص في السابق من قضايا مالية وعلاقات مع ممثلات إباحيات ورشى لمحاميه بعضهم تعرض للسجن وانقلبوا عليه.
ويبدو أن ترمب لا يمانع في الصورة ويبدو أنه تدرب عليها عندما ظهر بصورة المتحدي ونشرها على حسابه المعلق على منصة أكس وحوّلها على الفور إلى وسيلة لكسب المال والتبرعات والدعم الشعبي، لأنها تنسجم مع روايته بأنه يتعرض للظلم والملاحقة لمنعه من الترشح وإنقاذ أمريكا من بايدن وجعل أمريكا بلداً عظيماً مرة أخرى.
طريقة ترمب القديمة التي وصل فيها البيت الأبيض اعتمدت على تصوير نفسه المنقذ من واشنطن الفاسدة ونخبتها المتعفنة، من الديمقراطيين والجمهوريين ورجال الإعلام الذين أسماهم بـ Fake News، ومؤخرا قال عنهم الميديا الفاسدة لأنها تغطي على فساد الطبقة الحاكمة وتتبادل معها المصالح. هذه الرواية والاستراتيجية نجحت بشكل لم يتوقعه بأن يكون الرئيس رقم 45.
وصل ترمب على مضض بالنسبة للكثيرين من قيادات واشنطن وقيادات الأجهزة الأمنية الذين يرفض بعضهم حتى هذا اليوم أن يطلق عليه لقب الرئيس، والنخبة الإعلامية التي شنت عليه حملات مستمرة كان أشهرها قضية التواطؤ مع روسيا التي انطلقت من وثائق مفبركة وبعد محاولتين لإزاحته فشلت كلاهما، لم يتراجع ترمب ولم يهادن حتى قضى عليه الوباء الذي أتاه على حين غرة وبعد ذلك دخل ترمب في سلسلة شنيعة من الأخطاء حيث أصبح يقدم نصائح صحية جنونية جعلته يقترح في أحد المؤتمرات على المصابين باللقاح بأن يشربوا محاليل التنظيف لتطهير أجسادهم منه.
انهار الاقتصاد القوي الذي بناه أمام عينيه وانهارت شعبيته وبسبب الهجوم المتواصل عليه دخل في حالة من البارانويا الشخصية المستعصية جعلته لا يعترف بهزيمته، ويرتكب أكبر أخطائه بالتحريض على اقتحام الكونغرس ويهز أسس الديمقراطية الأمريكية العريقة التي ظلت راسخة طيلة 250 عاماً من عمرها رغم كل الأزمات التي مرت بها. من هذا السياق يفهم أن خصوم ترمب وأكبر أعدائه ينطلقون من هذه الفكرة التي تقول إن هذا الشخص النرجسي الذي لا يتورّع عن فعل أي شي لتحقيق ما يريد سيكون أكبر تهديد للجمهورية ويسعون لعمل كل شيء حتى لا يعود مرة أخرى حتى لو جرّوه إلى السجون والمحاكم كما يفعلون مع السفلة والقتلة.
ولكن المبالغة في ملاحقة ترمب ومحاولة إذلاله وملاحقته قد تساعده في الوصول مرة أخرى إلى البيت الأبيض. صورة السجين التي كان الهدف منها تلطيخ صورته وتاريخه أسهمت في تجييش شعبيته، حيث تقول كل الأرقام إن شعبيته في تصاعد بعد أن كان حتى وقت قريب مجرد شبح باهت من ترمب 2015، ولكن الزخم عاد له من جديد. وهذا ما يدركه بعض الديمقراطيين الذين يخشون أن الإمعان في مطاردته سيزيد عدد المتعاطفين معه خصوصاً في ظل أداء باهت للرئيس بايدن الذي يعاني صحياً، ويخسر في كل مرة ينزلق على سلم أو يسقط من دراجة هوائية.
إذا ما عاد ترمب للبيت الأبيض فستكون صورة السجين هي نقطة العودة وبالتأكيد هو لن يمانع، وسيقوم بأي شي ليحقق ذلك حتى لو وُضعت الأصفاد في يديه.