هل يهزم الذكاء الاصطناعي الصحافيين

هل يهزم الذكاء الاصطناعي الصحافيين؟

هل يهزم الذكاء الاصطناعي الصحافيين؟

 العرب اليوم -

هل يهزم الذكاء الاصطناعي الصحافيين

بقلم : ممدوح المهيني

 

يتعامل البعض باستخفاف مع الصحافيين وكأنه يمكن الاستغناء عنهم بمجرد أن تحدث ثورة تقنية أو تهب موضة جديدة. مؤخراً قالوا إن الذكاء الاصطناعي قادر على تبديل الصحافيين ووضعهم على الرف كتحفة قديمة تذكّر بالماضي، أو كحوض أسماك زينة.

لكن، في الواقع هذه مبالغات متكررة ويعود السبب في ذلك إلى مهنة الصحافة نفسها. فهي نادٍ مفتوح وبإمكان الجميع أن يشترك فيه ويأخذ عضويته؛ الأمر الذي يجعل البعض يعتقد أنها مهنة يسيرة. لكن الأمر أعقد من ذلك، الصحافة مهمة إبداعية مثل الكتابة وكرة القدم والتجارة تحتاج إلى أن تملك الغريزة والمهارة والدأب. في رياضة كرة القدم بإمكان أي أحد يركل الكرة أن يقول إنه لاعب، لكن أن يصبح لاعباً حقيقياً أمر مختلف تماماً. تحتاج إلى المهارة والشغف الذي يدفع للاستمرارية. كثيرون يدّعون أنهم رجال أعمال، لكن الناجحين منهم أقل بكثير لأنهم يملكون المهارة الفطرية في كسب المال والصبر والنظرة البعيدة.

مجالات العمل المفتوحة التي تشبه الهوايات لديها ميزة أنها بلا أسوار ولا تعترف بالاحتكار ولا الشهادة. كثيرون بزغوا في الصحافة وهم لم يكملوا تعليمهم. الله زرع في أصابعهم مهارة الكتابة وفي قلوبهم حب ملاحقة القصة، حتى لو عرّضت حياتهم للخطر (وكثير منهم قُتلوا وهم في نشوة الحصول على التغطية الحصرية). لماذا يقرر أحد أن يترك بيته الدافئ وأطفاله ويخاطر بحياته من أجل أن يغطي ساحة الحروب أو من أجل أن يقدم برنامجاً يثير عليه الغضب أو يكتب مقالاً يخلق له مشاكل قد تجعله يخسر وظيفته. لماذا؟ الإجابة محيّرة ولا يمكن أن تفسر العظمة الغامضة في العمل الصحافي الذي هو عبارة عن مشي طويل على حبال مشدودة وفي لحظة قد نهوي منها إلى حتفنا الوظيفي. ومع هذا لو سألت كثيراً من الصحافيين الحقيقيين عن المهنة الأخرى التي يمكن أن يعملوها فلن يختاروا غيرها.

ما يعيب المهن المفتوحة مثل الصحافة أن الكثيرين يعتقدون (أنها مفتوحة وبمتناول اليد وعامة) وأنها بسيطة ويمكن أن يقوم بها أي شخص، ويقدمون التنظيرات عن الطريقة الأنسب في ممارسة الإعلام، لكن للمهنة أصولها وتقاليدها الخاصة لكل من احترفها. ومن طرق الاستخفاف بالمهنة هو الحديث أن الذكاء الاصطناعي سيقضي عليها، لكن هذا ليس بالأمر الجديد. لقد قيل سابقاً إن صحافة المواطن هي صحافة المستقبل وإن كل شخص بإمكانه أن يشتري كاميرا أو يستخدم هاتفه ليكون صحافياً بغمضة عين. هبّ الكثيرون وانضموا إلى هذه الموضة واشتروا كاميراتهم لتدوين اللحظة المناسبة التي ينتظرها العالم. لم يمضِ وقت حتى أصابهم الملل وبهتت هذه الموضة وتفرقت جموع المواطنين الصحافيين. الاعتقاد بسهولة أن تصبح صحافياً بمجرد أن تشتري كاميرا وجهاز تسجيل هي مجرد خدعة مضحكة.

بعد أن فشلت هذه التجربة، أتت موضة منصات التواصل الاجتماعي بديلاً عن الصحافة، لكنها أصبحت بوابة لأكبر كم من الأكاذيب والأخبار الزائفة. وتشعر بالضجر والسأم من الذين يرسلون إلى هاتفك أخباراً وإشاعات مصدرها «إكس» أو «فيسبوك»، وتطلب منهم كل مرة أن يتأكدوا من المصدر. منصات التواصل غير موثوقة ولا يمكن أن تحل مكان الصحافة التي ترتكز في جوهرها على المصداقية والتأكد من المعلومة قبل بثها. ومن يعتقد أنها ضعفت نرد عليهم، بل على العكس. نحن في حاجة إلى مصادر معلومات موثوقة يمكن الاعتماد عليها في ظل الفوضى الواسعة من المعلومات المضللة والمغلوطة والحملات الممولة لبث الأكاذيب.

لم تنجح وسائل التواصل بإزاحة الصحافة ولن يقوم الذكاء الاصطناعي بهذه المهمة. انظر إلى المقالات والتقارير التي تُكتب بواسطته. رديئة منزوعة الروح. بالمقابل، هل يمكن لذكاء اصطناعي أن يقابل رئيس دولة أو زعيم ميليشيا ويحرجه بالأسئلة؟ هل يمكن أن يقف على الحدود المشتعلة ويغطي ساحات الحروب؟ الإجابة واضحة. من المؤكد أنه يسهّل العمل ويخلق فرصاً جديدة، لكن من يقولون إنه يهدد الصحافيين لا يعرفون عما يتحدثون. الصحافيون ليسوا موظفي سنترال يمكن استبدالهم بجهاز رد آلي. الصحافة مهنة تبدو في ظاهرها سهلة؛ لكنها صعبة لأنها قائمة على الموهبة الدفينة والتفاعل البشري وقدرات وتعقيدات العقل الإنساني وحس المغامرة والإحساس بالمهمة وكل ذلك الذي لا يمكن أن يستبدل بآلة أو مدعين أو باحثين عن شهرة وأضواء.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يهزم الذكاء الاصطناعي الصحافيين هل يهزم الذكاء الاصطناعي الصحافيين



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab