بقلم: ممدوح المهيني
رغم كل الأحداث الصعبة في عام 2022 فإنه كان عاماً جيداً وسعيداً لأن التوقعات السيئة التي كنا نخشاها لم تحدث فيه. كثيرون قد يختلفون معي، ودون أن أضفي أي شيء من شخصيتي المتفائلة على المقال وأقوم بقراءة مخادعة لـ2022، من المهم أن نبتعد خطوات ونتأمل أحداثه وتفاعلاته العميقة دون أن تخدعنا صورته الخارجية.
أبرز قصة هي الأزمة الأوكرانية، فمع كل مراراتها ورغم أن كثيراً من المحللين توقعوا أن تتوسع الحرب وتدخل فيها دول أخرى، وهناك من قال إنها ستقود إلى حرب عالمية جديدة... كل ذلك لم يحدث وذلك يعود لسببين؛ صمود الأوكرانيين بسبب الدعم الغربي، وامتناع الصين عن الدخول كحليف حربي للروس. توقعنا أيضاً أن الحرب ستقسم العالم سياسياً ولكن هذا لم يحدث، بل حدثت قمة مهمة صينية - أميركية كانت إعلاناً صريحاً عن أن هذه الحرب لم تغير شيئاً في العلاقات الدولية بين الدول العظمى. كل الحديث عن تعدد الأقطاب هو حديث نظري ولكن لا شيء على أرض الواقع، فالغالبية مستفيدة من النظام الدولي الحالي ولا تريد هدمه. الحرب دموية ولكنها لحسن الحظ لم تقُد لما هو أسوأ، وقد يشهد العام الجديد نهايتها.
عام 2022 جيد لأننا نرى نتائج قمة العُلا مستمرة والتي غيرت المشهد بشكل كبير في المنطقة. ولي العهد السعودي الذي قاد هذا التحول نقل المنطقة من التوتر والصدام إلى مصالحة كبرى لم تشمل دول الخليج فقط، ولكن أيضاً توسعت لتشمل تركيا ومصر واليمن. تغير المزاج وكان من الواضح أن دفع الرياض المستمر في هذا الاتجاه الهدف منه نزع فتيل الصراعات والتفرغ للتنمية وبناء المستقبل، وهو الهاجس الأكبر الأهم لهذه الدول الصاعدة.
وامتداداً لنتائج قمة العُلا الإيجابية المستمرة في عام 2022، فإن جماعة «الإخوان» المتطرفة ضعف تأثيرها بشكل كبير ليس في دول الخليج فقط، ولكنهم خرجوا أيضاً من معاقلهم الأساسية في تركيا وتوزعوا في بلدان متفرقة. لقد تحولت إسطنبول إلى منصة لبث أفكارهم السامة والتحريضية، ولكن الحكومة التركية قررت إبعادهم وتغيير سلوكها بشكل كامل.
غياب تأثير جماعة «الإخوان» وأخواتها، وهذه إحدى النتائج الإيجابية لعام 2022، منح الفرصة والمساحة للفكر المعتدل والمتسامح لأن ينمو وينتشر اجتماعياً وبتنا نشهد لأول مرة صورة حقيقية للإسلام الأخلاقي الحضاري الذي تقوده شخصيات معتدلة مثل الشيخ محمد العيسى. وليترسخ مثلُ هذا الفكر يحتاج لبعض الوقت دون مزاحمة وتشويه من حفنة المتطرفين الذين كانوا يلطخونه سابقاً بحجة «التغريب» أو «تمييع الدين» لتنفيذ أجنداتهم الخاصة.
رغم عدد القتلى والقمع في إيران بعد مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني، فإنه لأول مرة يرى العالم حقيقة النظام الإيراني الذي يحظى دائماً بالمدافعين عنه دولياً لأسباب مختلفة. انتهى هذا الدفاع ربما مؤقتاً ولكن المظاهرات هذه المرة كشفت عن الأزمة الحقيقية التي يعيشها الشعب الإيراني والشعوب العربية التي سيطرت عليها الميليشيات الإيرانية الطائفية التابعة له. عام 2022 ربما يكون العام الأكثر سوءاً للحكومة الإيرانية في مواجهة الشعب الشاب الذي يعيش في وسط منطقة تشهد ازدهاراً وتحولات كبيرة.
منع «طالبان» النساء من التعليم والعمل كان بلا شك من أسوأ أحداث عام 2022. ولكن هذه القوانين شهدت تنديداً من الدول العربية والإسلامية وهذا ما يعني أمرين؛ الأول أن خطاب «طالبان» المتطرف بات معزولاً وليس كما حدث في السابق. الأمر الثاني أن الدول العربية الكبيرة لا تتبنى الخطابات الآيديولوجية والشعارات الإسلامية والقومية الرنانة لمخاطبة الغرائز والمحافظة على الشرعية السياسية، بل التركيز على التنمية والازدهار الاقتصادي قبل أي شيء آخر. يمثل هذا الأمر تحولاً جذرياً عن الخطابات والدعايات القديمة التي يعرف الجميع نهايتها.
من أهم أحدث 2022 هو شراء إيلون ماسك «تويتر». رغم الأخطاء التي ارتكبها ماسك ولا يزال فإن أهميته أنه كسر احتكار سيطرة الشركات العملاقة على الخطاب الفكري اليساري الذي ذهب في اتجاه متطرف في الولايات المتحدة وأوروبا، ليس فقط في الإعلام ولكن الجامعات. تم التضييق على أصحاب الرأي الآخر وقامت هذه الشركات الكبيرة باحتكار الحقيقة وأضر هذا بالمجتمع والحرية الفكرية والنقاش الصحي. أتى ماسك وكسر هذه الدائرة الحديدية المغلقة وجعل العالم يتنفس من جديد. يقول ماسك إنه سينقذ الحضارة ولا شك أن هذه من تجلياته الساذجة، ولكنه قدم فعلاً خدمة لأصحاب الآراء المخالفة وأعاد لهم أصواتهم المفقودة.
ماذا بقي؟ أشياء كثيرة ولكن بما أنني صحافي، فسأقول إن عام 2022 جيد للصحافة الحقيقية التي أكدت قيمتها الحقيقية بوضوح خلال الأعوام الأخيرة. الأزمة الأوكرانية نقلها للعالم الصحافيون الذين فقد بعضهم حياته، لا المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي البارعون في مجالاتهم الخاصة. في أزمة «كوفيد» ذهب مراسلون إلى البلدان الموبوءة التي يهرب منها سكانها لنقل ما يجري على أرض الواقع. وفي النزاعات والحروب يدفعون بأنفسهم إلى الخطوط الأمامية بحثاً عن لقطة أو معلومة. عام 2022 كان جيداً لهم رغم كل شيء.
ربما سنتذكر عام 2022 بالعام الذي انتقده الجميع، ولكنه غير واقعهم للأفضل أو على الأقل لم يقدهم للأسوأ. عام جديد سعيد على الجميع.