بقلم - ممدوح المهيني
زيارة نادي النصر السعودي ونجمه رونالدو للعاصمة الإيرانية طهران حملت أبعاداً أكثر من المباراة الكروية التي لُعبت هناك. آلاف الإيرانيين الذين اندفعوا خلف اللاعب الشهير لرؤيته، وأخذ توقيع منه ترد على الأحاديث الزاعمة أن الشعب الإيراني معزول عن العالم، ولكنه في الواقع مثل كل الشعوب الأخرى يتطلع إلى الانسجام مع هذا العالم الجديد المتصل ببعضه، والذي تمثل ظاهرة النجوم العالميين مثل رونالدو وميسي وغيرهما أهم علاماته.
والشيء نفسه سيحدث لو ذهب رونالدو إلى كوريا الشمالية القلعة المحصنة والمغلقة عن العالم، فسيهب الكوريون الشماليون إلى اللحاق خلفه، وسيفعلون مثلما فعل الشباب الإيراني. هذا يكشف عن تطلع الشعوب إلى خارج الحدود، وذلك بسبب أن ظاهرة التواصل غير المسبوق في تاريخ البشرية قرّبت العالم والشعوب من بعضها. الآن نتحدث تقريباً عن الأفلام نفسها (مؤخراً باربي، وأوبنهايمر) والمسلسلات، ونتابع المباريات نفسها، ونحب النجوم أنفسهم، ونتجادل حول القضايا نفسها ونتابع المنصات نفسها، ونغضب من إيلون ماسك كل أسبوع بسبب رفعه أسعار منصة «إكس». رغم الاختلافات الثقافية فإن العالم الآن أقرب من بعضه، وهناك رغبة قوية في الاندماج مع بعضه بشكل لم نشهده سابقاً. ورغم الحواجز والحروب (حرب أوكرانيا) فإن هذا لم يبطئ حركة البشرية في المضي للأمام، ولم تعطل الاختراعات التقنية تقريب الناس من بعضهم.
وهذه النقطة تهدم كل الخطابات الآيديولوجية الدعائية عن المقاومة والغرب والإمبريالية التي تعد صالحة لمنح الشرعية للأنظمة وفرض الهيمنة الداخلية. في السابق ربما كان يمكن بيعها وتسويقها في وقت الانغلاق وانقسام العالم لأقطاب متصارعة، ولكن هل يمكن إقناع الجموع التي كانت تعزف الموسيقى، وتضرب الطبول، وتردد الأناشيد بجانب غرفة رونالدو أن يصبحوا شهداء ومحاربين ضد قوى الاستعمار والاستكبار.
وهنا نقطة أخرى، فعلى الرغم من أن وسائل التواصل ممنوعة في إيران فإنه من الواضح أن الحجب غير نافع؛ لأنه من الصعب منع الوصول إلى المعلومات والأخبار خصوصاً لجيل الشباب. المنع غير المبرر وغير المنطقي لا يفيد في هذا الزمن، ويؤدي إلى العكس وهو التمرد وكسر المحاذير للوصول إلى المعلومات المحظورة. وهذا أيضاً ما نراه في دول أخرى كثيرة منعت وسائل التواصل، لكنها كانت أشبه بمن يصد موجات البحر بشبكة مثقوبة.
وفي السابق كنا نرى ما يسمى نماذج النجاح الجاذبة تقع في بلدان بعيدة في أوروبا وأميركا، ولكن هذا الوضع تغير، فرونالدو قادم من الرياض وليس من لندن أو باريس. وهذا ما تلعبه السعودية؛ حيث تمثل جاذبية نموذج نجاحها الاقتصادي بحكم حجمها ومكانتها أكبر عامل جديد نشهده هذه السنوات، وستؤثر بكل تأكيد في المنطقة؛ لأن النجاح، كما يقولون، معدٍ، وهي أجمل عدوى وفيروس نتمنى أن ينتشرا في بقعة عانت كثيراً من عدوى الحروب والانقسامات عقوداً طويلة.