بقلم:ممدوح المهيني
نعيش فوضى في المصطلحات تخلق حالة من التشويش في التفكير. نسمع كثيراً عن تسميات بأن هذا «عنصري» و«متطرف»، وغير ذلك من الاتهامات التي يرددها بعض المثقفين والمؤثرين. قبل أيام شاهدت معلقاً يصف ترمب بالعنصري، ولكنه لا يذكر أي دليل على كلامه. العنصرية تعني أن تؤمن أن عرقاً متفوقاً على عرق آخر، أو جينات مجموعة من البشر أرقى من مجموعة أخرى. هتلر مثلاً كان عنصرياً، وكان يرى تفوق العرق الآري على جميع الأعراق، وارتكب جرائم إبادة بناء على هذه القناعة.
هل ترمب نازي؟ هل يؤمن أن العرق الأبيض أفضل من بقية الأعراق الأخرى؟ حسب علمي لا، وعائلته خليط من الأعراق اليهودية والعربية واللاتينية. هناك من يتهمه بالعنصرية بسبب موقفه من الهجرة. والموقف من أجل تخفيضها أو منعها يأتي في سياق السياسات المحافظة، ولكن هل من العدل أن نصف قائد دولة بالعنصرية بسبب مواقفه من الهجرة؟ بالتأكيد لا، وإلا أصبح أغلب قادة دول العالم عنصريين وفاشيين. بعد الانتقادات التي وجهت له كبح بايدن من تدفق المهاجرين. هل يمكن أن يوصف بالعنصري أو نصف العنصري؟ لا مرة أخرى. الخلافات في السياسات والتوجهات الفكرية والثقافية لا تجيز أن نتجاهل الحقائق ونتهم الآخرين بالنازية والعنصرية من دون الاستناد على الحقائق.
في مواسم الانتخابات هناك إطلاق نار متبادل بين المرشحين والساسة، وكل أحد يحاول أن يسقط الآخر من أجل الإساءة لسمعته. ولا شيء أسوأ من اتهامات بـ«العنصرية»، و«التحرش الجنسي» التي نسمعها هذه الأيام بشكل متكرر فقط من أجل المكاسب السياسية والوصول إلى السلطة. المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس هاجمت ترمب بأنه مجرم ومحتال، وبما أنها مدعية فتعرف كيف تتعامل معه. ومن جهة أخرى، أطلِقت ضدها حملة تتهمها بالانتهازية والوصولية لتحقيق أهدافها. محقون من يقولون إن هناك انحطاطاً في لغة الحوار، ولهذا لا تصدق كل ما تسمع.
في فرنسا نسمع مصطلح اليمين المتطرف. ومرة أخرى علينا أن نفكر بالمصطلحات التي نرددها ومن يقولها ولماذا وما الدوافع. في اللعبة السياسية تستخدم كل الأسلحة والذخائر المتوفرة. اليمين مرتبط بالعنصرية والعرقية. ولكن حزب ماري لوبان ليس عنصرياً ولا عرقياً، ولكن عنده مواقف من الهجرة والجماعات الإسلاموية. قد توصف بأقصى اليمين، ولكن تهمة المتطرف والعنصري غير دقيقة. وفي حوار معها قالت إنها ليست ضد المهاجرين، ولكن لديها موقف من الهجرة الكثيفة لبلادها. قد تختلف أو تتفق معها، ولكنها تقريباً مثل ترمب لا تريد حدوداً مفتوحة لبلادها. الحدود جزء من سيادة الدول، وكل دولة لديها سياساتها.
ومن أهدافها القضاء على جماعات الإسلام السياسي داخل فرنسا. هي ليست ضد المسلمين، ولكن ضد الإسلامويين. هل يعد هذا تطرفاً؟ لا، لأن القضاء على هذه الجماعات المؤدلجة ضرورة؛ لأنها عبثت بالمسلمين في الدول العربية، وشحنتهم بالكراهية، ولطخت صورة الإسلام، ولهذا مجرّمة ومحظورة في دول كثيرة. وفي فرنسا قامت هذه الجماعات بالشيء ذاته فقط داخل الأقليات المسلمة، حيث قاموا بزراعة أفكار الكراهية والعزلة والانفصال عن المجتمع الفرنسي، وخلقوا مجتمعات موازية. من مصلحة المسلمين أن يتحرروا من كل هذه الجماعات السياسية، ويستعيد الفرد المسلم روحانية الدين وحضاريته، ويؤمن بقيم البلد الذي عاش فيه واختاره وطناً له. هي تردد دائماً أن على الجميع بما أنه قرر العيش في بلدها فرنسا أن يؤمن بمبادئ الجمهورية أو يختار بلداً آخر؛ لأنها تريد أن تحافظ على التجانس الثقافي. قد تختلف مع موقفها، ولكن من غير الدقيق أن يوصف بالمتطرف. من أين أتت هذه الاتهامات؟ بسبب الصراع السياسي والفكري. للإطاحة بالخصم، عليك أن تلصق به أسوأ الأوصاف.
«هل (جماعة طالبان) متطرفة؟» هكذا يسأل البعض ويعدون هذا الوصف ظالماً. في الواقع لو أن شخصاً آمن بما تؤمن به «طالبان» ومارسه على نفسه قد نختلف معه، ولكنه يعبّر عن قناعاته ومؤمن بها، ومن الصعب مهاجمته ووصفه بالمتطرف. بمعنى آخر، لا يمكن أن أصف من يمارس قناعاته الدينية والفكرية بالتطرف، ولكن التطرف عندما يريد أن يفرضها على الآخرين، ويتهم الآخرين بالمروق والخروج من الدين إذا لم يلتزموا بها. ولهذا وصف «طالبان» بالمتطرفة وصف صحيح؛ لأنها تريد أن تفرض نمطها الديني على جميع أفراد المجتمع. ولهذا منعت الفتيات من الدراسة، والنساء من العمل عبر استخدام القوة. وهذا ينطبق أيضاً على الشيوعيين سابقاً. فرضوا عقيدتهم الفكرية قسراً على كل أفراد المجتمع حتى في مراسم الدفن والعزاء. كان مشهداً مأساوياً أن المؤمنين يودّعون أحبتهم بمظاهر خالية من الطقوس الدينية التي يؤمنون بها؛ لأنهم مجبرون على ذلك. إيمان الشخص بعقيدة دينية أو آيديولوجية ليس تطرفاً، ولكن تحولها إلى نمط يفرض بالإكراه والعسف هو التطرف.
قبل أن نصف أحداً بالعنصرية والتطرف علينا أن نعتمد على الحقائق وليس العواطف.