مشروع الخليج ومشروع الميليشيات

مشروع الخليج ومشروع الميليشيات

مشروع الخليج ومشروع الميليشيات

 العرب اليوم -

مشروع الخليج ومشروع الميليشيات

بقلم:ممدوح المهيني

الخليج تحول مزيجاً من الجنسيات، والأعراق، والأديان، والثقافات. مركز للأعمال وجاذب للاستثمارات ورؤوس الأموال، ومتصل ومندمج مع الغرب والشرق، سياسياً واقتصادياً وثقافياً. الناجحون من كل مكان والباحثون عن مستقبل لأطفالهم يذهبون إليه. لم يعد الخليج محصوراً بمواطنيه، لكنه مكان مفتوح ووطن للجميع. في شوارعه وأسواقه ومطاراته خليط من كل الوجوه. يشعر الجميع بالانتماء له وأنه جزء منه ومسؤول عنه. وهذه ميزة كبيرة؛ لأن هذا المزيج الإنساني المتعدد المتناغم هو سمة الدول المتحضرة في عالمنا المعاصر.

ومع هذا، فإن أكثر بقعة يتم التحريض عليها هي منطقة الخليج؟ الدول الخليجية تتبنى سياسات واقعية وليست عدوانية. دفاعية وليست هجومية. لماذا إذن الهجوم عليها؟ هل الأمر محير؟ بالطبع لا. الهدف هو إضعافها وتقويضها. والسبب بسيط وواضح وعملي يجب أن نفهمه بوضوح وبعقل بارد وبلا مشاعر أو تفكير مؤامراتي. مشروعها السياسي والاقتصادي والثقافي مختلف تماماً ويقف على الضد من مشروع الميليشيات والجماعات المتطرفة. نجاح المشروع الخليجي هو هزيمة للمشروع الآخر والعكس صحيح. ولهذا نرى أن حجم التحريض مكثف ومركّز على مشروع الدول الخليجية؛ لأن إضعافها وتقويضها يعني فتح الباب على مصراعيه للمشروع الآخر لكي يسود ويسيطر في عموم المنطقة.

ومع كل الفوضى الحاصلة وكل تفاصيلها المهمة يجب ألا ننسى الصورة الكبيرة، وهي أن هناك مشروعين في المنطقة. مشروع الازدهار والسلام، ومشروع الفقر والحروب. مشروع الدولة ومشروع الميليشيات. مشروع الأعلام الوطنية ومشروع الرايات الصفراء والسوداء. هذه هي النقطة الأساسية والبقية تفاصيل.

وفي مقال «ثوريون في الخليج» حذّرتُ من الخطابات الثورية في داخل الخليج التي تخدم في نهاية المطاف الخطاب المعادي القادم من الخارج. الترويج للدعايات المضللة التي يرددها البعض في الداخل تنسجم مع كل الأفكار المدمرة الثورية التي تصور الخليج بكل الأوصاف (المطبع... المتواطئ مع الغرب... الذي يشتري أسلحته... الذي يبيع خيراته)، التي تهدف بشكل أساسي لإضعاف شرعيته خدمة للمشروع الآخر.

الخطاب السياسي لدول الخليج قائم على مشروع الدولة. الدولة تمتلك السيادة الكاملة على أراضيها وتحتكر استخدام القوة لفرض الأمن وتمتلك وحدها قرار السلم والحرب. مشروع الدولة الأمة هو المشروع الذي ينهض عليه النظام الدولي في عالمنا ولا يمكن لوطن أن يستمر بوجود أكثر من دولة. ومشروع الميليشيات معارض تماماً لفكرة الدولة ولكل مبادئها الأساسية. بوجود الميليشيات تنتفي شرعية الدولة التي تصبح ضعيفة وهشة ومسلوبة الإرادة. وتراجع قوة الدولة ينعش كل الهويات الفرعية الدينية والطائفية والعشائرية، وهذه خلطة مسمومة لتقسيم أي بلد. في مشروع الخليج الدولة هي المرجع الوحيد والهوية الوطنية هي الهوية الجامعة. في مشروع الميليشيات تغيب الدولة ويحل مكانها قادة الميليشيات وزعماء الطوائف ومرشدو الجماعات. وقبل سنوات بعيدة زرت عاصمة عربية جميلة، لكن لفت انتباهي ضعف سيطرة الدولة أمام مسيرات الميليشيات التي تتباهى في الشوارع بسلاحها ورجال الجيش يتفرجون عليها. بعد مدة قصيرة سيطرت هذه الميليشيات على مفاصل الدولة وقرارها وأدخلتها في حروب مدمرة. كانت مسألة وقت وبعدها غرق ذلك البلد الجميل في وحل الميليشيات التي تعلن بصراحة أن ولاءها الكامل لحكومة وزعيم بلد آخر.

اقتصادياً، الفرق بين مشروع دول الخليج ومشروع الميليشيات واضح. الدول الخليجية تتنافس عالمياً على استقطاب الكفاءات والاستثمارات ورؤوس الأموال. في الوقت الذي يقوم مشروع الميليشيات بالعكس تماماً وهو طرد الكفاءات والاستثمارات ورؤوس الأموال. واستقطب بالمقابل قادة الميليشيات للتدريب وأموال المخدرات لتمويل حروبها وكوادرها. مشروع الخليج ينجح بمعركة الثراء والتنمية ومشروع الميليشيات ينجح في معركة الفقر المغلفة بدعاية الكرامة. مشروع الخليج يبني ناطحات السحاب ومشروع الميليشيات يحفر السراديب. مشروع الخليج ينافس لنقل أكبر عدد من الركاب على خطوط طيرانه، ومشروع الميليشيات ينافس على نقل أكبر عدد من الصواريخ على خطوط طيرانه. وباختصار، اقتصاد المشروع الخليجي هو من أجل الحياة والمستقبل واقتصاد المشروع الميليشياوي من أجل الموت والماضي.

ثقافياً، دول الخليج تتبنى خطاب التسامح والتعدد والانفتاح. وهذا ما يجعلها هدفاً رئيسياً للميليشيات والجماعات المتطرفة وقياداتها التي لا يعجبها هذا النهج الإنساني العصري الذي لا يفرق بين البشر. خلطتهم المسمومة قائمة على التقسيم الديني والمذهبي. والخطاب المذهبي ومواجهة الغرب والاستعمار مهم من أجل إضفاء الشرعية عليها ولشحن مشروعها الآيديولوجي الميليشياوي بشكل مستمر وعسكرة المجتمع وإجبار الأطفال المساكين على ترديد كل صباح هتاف «اللعنة على أميركا»! المشروع الخليجي يهدف إلى التعليم الحديث والتفكير الديني المستنير وإجادة أحدث اللغات وتعزيز المواطنة وليس في حاجة إلى التجييش وشد العصب الطائفي من أجل الشرعية أو لتحقيق مشاريع خارجية توسعية. في الوقت الذي يقوم المشروع الثقافي للميليشيات على العكس. الأفراد هم كوادر والتعليم هو تجنيد والاعتدال خيانة والمواطنة عمالة.

ختاماً، مشروع الخليج هو مشروع جميع الباحثين عن أن تسود قيم الازدهار الاقتصادي والسلام السياسي والاعتدال الثقافي. مشروع السعادة والحياة وليس البؤس والموت، وأن نكون جزءاً من العالم الحديث ونندمج فيه أكثر ونصبح جزءاً أصيلاً منه. هو المشروع الوحيد القابل للحياة والنموذج الذي يمكن أن يتوسع ليشمل مناطق خارج الخليج تبحث عن مستقبل لأطفالها، لن تجده بالتأكيد في مشروع الميليشيات الملطخ بالدم والأشلاء والذي يقامر بأرواحهم ويدفنهم أحياء بالمعنى الحرفي والمجازي للكلمة.

 

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشروع الخليج ومشروع الميليشيات مشروع الخليج ومشروع الميليشيات



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab