«الصحّافيون» يتفوقون على «الصحّاف»

«الصحّافيون» يتفوقون على «الصحّاف»

«الصحّافيون» يتفوقون على «الصحّاف»

 العرب اليوم -

«الصحّافيون» يتفوقون على «الصحّاف»

بقلم:ممدوح المهيني

بعد أن نشرت مقال: «الصحّاف الأخير»، وصل إليَّ رد يعاتب على ضرب المثال بوزير الإعلام العراقي الشهير محمد الصحّاف على اعتبار أنه كان موظفاً ويؤدي عمله، ولم يكن أمامه في نظام «البعث» إلا أن يردد المعلومات المضللة وإلا فقد حياته.

الإشكالية في هذا الرد أن الصحّاف و«الصحّافية» تحولت إلى ظاهرة وحالة تتجاوز الفرد. ومع هذا يمكن القول إن الصحّاف نفسه كان يؤدي مهنته ولا نعرف فعلاً ماذا كان سيفعل لو كان يملك الحرية ولم يكن مجبراً على بث تلك المعلومات المزيفة. ولسنا متيقنين على وجه الدقة إذا كان مؤمناً بما قال أم لا.

ولكن إذا قارنَّا الصحّاف بمن أتوا بعده من «الصحّافيين» الذين نراهم يومياً، فليس من المبالغة لو قلنا إنه سيبدو صحافياً أكثر مهنية منهم رغم مبالغاته. لقد تجاوز «الصحّافيون» الصحّاف وتفوقوا عليه، وذلك على أربع مستويات: حجم الدعاية، والتأثير، والإرادة، والمردود المالي.

أولاً- حجم الدعاية: كل الوقت الذي قضاه الصحّاف في ترديد دعايته المضللة مجرد ثلاثة أسابيع؛ من دخول القوات الأميركية إلى العراق حتى سقوط بغداد. وهذا يعني أن حجم الدعاية محدود بالمدة الزمنية. وقد شاهدت مجدداً مؤتمراته الصحافية وهو يتحدث بلغة خطابية إنشائية نتذكر منها عبارات، مثل «ينتحرون على أسوار بغداد» و«المجرم بوش الصغير»، ووصفه الشهير للجنود الأميركيين بـ«العلوج». عملياً ما قدمه الصحّاف كان خطباً دعائية منبرية وليس تحليلاً عسكرياً مفصلاً.

«الصحّافيون» بعده وزّعوا كماً كبيراً من الأكاذيب لوقت طويل امتد لأشهر وليست أسابيع. تقريباً كل المعلومات التي ذكروها خاطئة وغير دقيقة. كل التحليلات العسكرية تحولت إلى عكسها. كل التنبؤات وقراءة مستقبل المعارك ثبت أنها قراءات رغبوية تقترب من الخرافة. الصحّاف نفسه لم يصل إلى هذا المستوى ولم يقدم نفسه بصفته لواء وجنرالاً وخبيراً يعرف سير المعارك واستراتيجيات الحروب وإنما وزير إعلام ردد معلومات مطلوبة منه لرفع الروح المعنوية.

ثانياً- التأثير: رغم أن الصحّاف ردَّد دعاية مضللة فإنه لم تنتج عنها أضرار عملية. لا نتوقع أن أحداً سمع حديث الصحّاف وقرر أن يأخذ بندقيته (ما عدا الفلاح منقاش الذي اعترف لاحقاً بأنه فبرك روايته حول إسقاط طائرة الأباتشي) وهاجم جحافل القوات الأميركية الزاحفة على بغداد، معتقداً أن لديها مناطق أو خواصر رخوة يستطيع أن يهاجمها من خلالها ويقضي عليها. وبسبب المدة القصيرة، من المشكوك فيه أن هذا التضليل تسبب في قتل أحد أو أقنع الأميركيين بأن هناك فعلاً مقاومة شرسة، واستخدموا القوة المفرطة للقضاء عليها وذهب ضحية ذلك مدنيون. لا يوجد أيضاً مدنيون عراقيون قُتلوا بسبب دعاية الصحّاف، وإنما قُتلوا لاحقاً لأسباب أخرى لا علاقة له بها. هذا على العكس من «الصحّافيين» الذين جاءوا بعده وتفوقوا عليه. التأثير بدعايتهم المضللة تسبب في قتل آلاف المدنيين الذين اعتقدوا أنهم في أمان وأن الأمور تسير في صالحهم وأن معارك من مسافة صفر تعني انتصارهم الوشيك. ليجدوا أنفسهم تحت القصف وفي مرمى النيران. الكذب في الإعلام سيئ بشكل عام والأسوأ في وقت الحروب لأن الناس يفقدون حياتهم وبيوتهم الآمنة ويعيشون مشردين في الخيام والعراء. المسألة ليست نزهة، ودور الصحّافيين أن يقدموا لهم المعلومات الدقيقة لأنها قد تكون السبب في نجاتهم أو على الأقل معرفة ما يدور حولهم. وعادةً مَن يغضب من تقديم المعلومات الصحيحة هم الناس البعيدون الذين يعيشون مع أطفالهم بسلام ودعة، وليس الناس الذين هم تحت القصف ووسط لهب النيران. أضف إلى ذلك أن المعلومات غير الدقيقة بتضخيم دور المواجهة قد يبرر استخدام القوة العنيفة الوحشية للقضاء على مصادر التهديد المحتملة، وعادةً ما يدفع المدنيون الثمن. والتضخيم يُستخدم أيضاً سياسياً وإعلامياً. أي إن «الصحّافيين» يقدمون بسذاجة وغباء خدمة مجانية وذخيرة دعائية للطرف الآخر، والمدنيون هم الضحايا.

ثالثاً- الإرادة: تحب أو تكره الصحّاف. تتفق أو تختلف معه. إلا أننا نعرف أنه كان منزوع الإرادة ولم يكن بمقدوره إلا أن يفعل ما فعله. لو كان أيُّ أحد منَّا في مكانه ويتخيل شكل المشنقة التي سيعلَّق فيها لو أدلى بتصريحات غير المتفق عليها، فمن المرجح أننا كنا سنردد أكاذيب أكثر من تلك التي قالها حتى ننجو بجلدنا. من المهم وضع هذا في الحسبان حتى نحكم عليه. ولا ننسى أن الصحّاف كان داخل العراق وليس خارجه. أي إنه كان يتحدث والصواريخ تسقط حوله وليس من خارج بغداد. كل ما سبق يمثل عكسه تماماً «الصحّافيون»؛ فهم في الخارج مرتاحون ويحللون من الاستوديوهات المكيفة، ويتصرفون ويعملون بإرادتهم الكاملة، ولا أحد يصوِّب المسدس إلى رؤوسهم ويُجبرهم على تقديم معلومات مزيَّفة. وغالباً هم لا ينتمون إلى البلد وأبنائه الذين يواجهون الكارثة، وفي مرات كثيرة نراهم يخونونهم ويصفونهم بالعمالة والخيانة لمجرد الاختلاف معهم. أي إن الذي يعيش في أمان وراحة ويتكسب شعبوياً يخون من يعيش تحت القصف وفقد نصف عائلته. الصحّاف لم يصل أبداً إلى هذا المستوى!

رابعاً- المردود المالي: الصحّاف لم يحصل على أموال ولم يسكن فنادق ولم يعامَل على أنه فاتح نظير دعايته. لم يمضِ وقت طويل حتى غادر العراق وعاش منعزلاً ولم يعرف عنه أحد الكثير بعد ذلك. وقد تحوّل إلى رمز للتضليل والدعاية الكاذبة رغم أنه لم يفعل ربع ما فعله مَن أتوا بعده. خرج بلا مال ولا سمعة. ولكنّ «الصحّافيين» من بعده حصلوا على المال في الوقت الذي يطالبون الآخرين الذين لا يجدون ما يأكلون بالصمود، وحصلوا على شهرة وهم مجهولون في السابق.

«الصحّافيون» أداة وبوق لن تجدهما إلا في وسائل الإعلام الدعائية الرديئة. لا تهتم بالمعايير الصحافية حتى في أبسط صورها التي تعني نقل ما يحدث على الواقع وما يمر به الناس. وستجد دائماً «صحّافياً»، تحشو جيوب بدلته الأنيقة بالمال الملطخ بالدم، ليردد ما تريد قوله، حتى لو كان على حساب أهالي القتلى والمصابين والأطفال المشردين الجائعين الهائمين على وجوهم بحثاً عن مأوى وطعام.

 

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الصحّافيون» يتفوقون على «الصحّاف» «الصحّافيون» يتفوقون على «الصحّاف»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab