بقلم : فؤاد مطر
تنفع وعود القادة والحكام، إذا كان الواعدون من أصحاب النيات الطيبة المؤمنين بالله ورسله، والحريصين أشد الحرص على الأخذ بقاعدة إنصاف حقوق الرعية؛ سواء كانوا من مواطني دول هؤلاء الحكام والقادة، أو من مواطني دول استُبيحت بفعل أمر واقع دولي.
وأما إذا كانت الوعود من نوع رفْع العتب، والتظاهر بأن الواعد هنا يوحي بأنه من منطلَق الاهتمام بأحوال غير سوية في دول أُخرى يطْلق هذا الوعد أو تلك الوعود، فإن مردودها لا يعني شيئاً.
ولنا على سبيل المثال لا الحصر -لأن الواعدين الذين أخلفوا ما وعدوا به كثيرون، يتوزعون على دول ذات شأن في القارات الخمس- ما في الذاكرة من وعْدين: أولهما من الرئيس الأميركي السابق جو بايدن الذي صرَّح يوم الأربعاء 18 سبتمبر (أيلول) 2024 خلال الانعقاد السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه «حدد مواعيد على هامش أعمال الدورة لإنهاء الحرب في غزة». وقد استبشر الذين سمعوا أو قرأوا تصريحه هذا خيراً، بأن الإدارة الأميركية ارتأت على ما يبدو خشية رب العالمين، وأنها ستحاول ما أمكنها التعويض عن المآسي التي أحدثها عدوان إسرائيل نتنياهو على فلسطينيي قطاع غزة، ومن دون أن تستثني جحافله التعرض لمخيمات ومناطق سكنية في بعض مدن وبلدات الضفة الغربية التي تقع تحت «السُّلطة الفلسطينية» ولكن المعتدي الإسرائيلي لا يرحم مطْمئناً إلى أن الفلسطيني في قرارة نفسه وإيمانه طالبٌ للرحمة دائماً من رب العالمين.
والذي جعل بايدن يصرِّح بوعده هذا، قد يكون المفاجأة، وفي اليوم نفسه، المتمثلة بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة تبنَّت قراراً صاغته السُّلطة الوطنية، ومقرها رام الله إلى أن تزول الغمامة وتصبح القدس هي العاصمة، وبذلك لا يعود المتعصبون الصهاينة ليواصلوا غزواتهم -المرفقة بالرقص أحياناً- الحرمَ الثالث. واللافت أن القرار الذي يتبنى اعتبار فلسطين عضواً في المنظمة الدولية، حظي بموافقة 24 صوتاً، بينما امتنعت 43 دولة عن التصويت. وهكذا يكون الصف المضاد بتصويت أعضائه ضد قرار إسرائيل (بطبيعة الحال) والولايات المتحدة (مع أن رئيسها بايدن أطلق الوعد الذي أشرنا إليه) إضافة إلى 12 دولة أُخرى من المرجح أن تكون هنغاريا إحداها، أي الدولة الأوروبية التي تجاوزت قرار محكمة العدل الدولية، واستقبل رئيسها خيرَ استقبال نتنياهو، المجلل بالكم الهائل من الضحايا والدمار والتجويع في القطاع الذي ينشد وقفة دولية وعربية وإسلامية حاسمة، تضع حداً للفعل الإسرائيلي المبغوض. وحتى الآن لم تتحقق الوقفة.
ليس فقط لم يفِ الرئيس بايدن بما وعد، وإنما اقترف العكس لمصلحة ما تفعله إسرائيل نتنياهو في قطاع غزة، ثم استكمالاً في لبنان من جنوبه إلى بقاعه إلى بعلبكيات من بلدات وقرى، مروراً -وبأسلوب غير مسبوق في القتل والتدمير والتجويع- بالضاحية الجنوبية من العاصمة بيروت، وبعض مناطق في العاصمة جامعة الشمل بكل طوائفه.
الواعد الآخر كان الرئيس الخلَف دونالد ترمب الذي فسَّر للعالم بالقرارات الاقتصادية الإملائية، ومن دون مشقة، وبالعقوبات التي أحدثها على جامعة «هارفارد» سيدة جامعات العالم، ما في نفسه من تطلعات لم يسبقه إليها في تعظيم النفس والتشاوف سائر حكام العالم، مع مفردات وقرارات مستغربة في حق الصين التي خاطبها وكأنما هي إحدى الولايات الأميركية. وعندما جاءه الرد بما لا يتحمله ويؤثِّر على أجواء رؤاه الإمبراطورية، أعاد صياغة بعض المفردات في انتظار أن يستكمل جذرياً إعادة ترتيب تلك المفردات.
ما وعد به الرئيس دونالد ترمب، ومِن قبْل فوزه التاريخي برئاسة الولايات المتحدة، لقي ارتياحاً أولياً يتمثل بقوله يوم الأربعاء 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2024: «أريد أن أرى الشرق الأوسط يعود إلى السلام. سأُصلح المشكلات التي تسبب فيها بايدن، وأُوقف المعاناة والدمار في لبنان»، ولكن الذي حدَث بعدما بات رئيساً للدولة العظمى أن التدمير الإسرائيلي لم يتوقف، وبات طيران نتنياهو المزود من الولايات المتحدة يحلِّق في سماء مناطق من لبنان للتصوير، ثم لتوجيه صواريخ على أهداف محدَّدة، وهكذا سيبقى العرب من الغزَّاويين إلى اللبنانيين والسوريين واليمنيين يأملون رشداً من أهل القرار الدولي، وبالذات أميركا دونالد ترمب، لتنفيذ ما يصْدر على ألسنتهم من وعود يصل بعضها إلى درجة الحزْم بالتنفيذ.
بذلك، فإن ما هو متعارف عليه أن الوعود بالتنفيذ. أما عكس ذلك فإنها مجرد كلمات لا توقِف عدواناً من إسرائيل، ولا تُحقق عدالة إنسانية، كما لا تحسم الأمر الذي لا جدال في واقعيته، وهو أن الاستقرار يتحقق والسلام يسود بقيام الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس، المستباح فيها بين فترة وأُخرى الحرَم الثالث من جانب صهاينة مطْمئنين في فعْلهم المبغوض إلى أن الدول الكبرى تسامح أفعالهم، على أساس أنها مسؤولة عن كيانهم غزواً واحتلالاً وعدواناً. هذا قرار محسوم من جانب الأمَّتين وفْق صياغة «مبادرة السلام العربية».
ومن شأن قراءة بكثير من صفاء النفس من جانب قادة الدول الكبرى لمبادرة السلام العربية تلك، والأخذ بها، تنفيذاً لمحتواها وروحية منطلقاتها، ما يؤكد أن جدوى الوعود رهن بالتنفيذ، يأتي من هذا الحاكم أو أولئك. عدا ذلك تصبح التصريحات مجرد فقاقيع في الهواء، بدليل أن الشر يتواصل شروراً والطمأنينة تزداد انحساراً. هدى الله الواعدين إلى الصراط المستقيم.