مجتمع «قالولووو»

مجتمع «قالولووو»!

مجتمع «قالولووو»!

 العرب اليوم -

مجتمع «قالولووو»

بقلم - فاطمة ناعوت

بعدما قرأ لى عشرات المقالات حول القضية الفلسطينية وغشم المحتل الصهيونى البغيض، كتب على صفحتى: (حضرتك حد كويس وبيفكر، أمال إيه كمّ الهجوم ده؟! دا أنا آسف بجد! ليه مش بتدافعوا عن نفسكم؟!) كاتب التعليق اسمه الأستاذ «أحمد رجب عبدالغنى». الهجوم الذى يعنى موجودٌ على صفحات السوشيال ميديا التى يعبئها كلُّ مَن يشاء بأى شىء يشاء، مهما كان غثاءً وعبثًا، دون رقيب ولا حسيب، وكأن «حرية التعبير» تعنى: «حرية الاغتيال الأدبى، والتشويه والخوض فى العرض والشرف»!.

وضعنى كاتبُ التعليق أمام سؤال خالد: «هل يدافعُ الكاتبُ عن نفسه إن تعرّض للتشويه.. أم يترك كلماتِه وكتبَه تُدافعُ عن نفسها بنفسها على مبدأ: موتُ المؤلف» كما وضعها الفرنسى «رولان بارت»، باعتبار الفكرة أو النص كائنًا مستقلًا كاملَ الأهلية يدافع عن وجوده بنفسه دون الاتكاء على كاتبه؟.. لكن النظرية تفترض «قراءة» النصّ والحكم عليه دون النظر إلى كاتبه؛ فهل تصمد هذه النظرية فى مجتمع يعتمد «الثقافة السمعية» دون بحث ولا تقصٍّ ولا قراءة؟!. و«الثقافة السمعية» هى أن تسمع أن «فلان كافر»، فتصدّق حضرتك دون بحث ولا تبيّن، ثم لا تكتفى بالتصديق، بل تركضُ من فورك لتنشر ما سمعت، ويصدقك سامعوك، ثم لا يكتفون بتصديقك، بل يركضون ينشرون ما سمعوا.. إلى ما لا نهاية! والدليل دائمًا: «قالولوووو»!، كما وردت فى مسرحية «شاهد مشافش حاجة». أولئك ينكرون الآية القرآنية العقلانية العبقرية: «إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا أن تُصيبوا قومًا بجهالة».

قتلةُ التنويريين عبر التاريخ دائمًا لا يقرأون، ولا يتبيّنون!.. لكنهم واثقون أنهم يقتلون دفاعًا عن الله! والله تعالى لم يطلب دفاعَهم، بل طلب أن: «يقرأوا» «يتبيّنوا» «يتدبّروا» «يتفكّروا» و«يعقلوا». لكنهم لا يفعلون! ولماذا يفعلون ومعهم دليلُ «هدر الدم» جاهزٌ سهلٌ طيّبُ الثمر؟! الدليل: «قالولووو».

= «سقراط»، تجرّع السُّمَ طوعًا، رافضًا الهروب كما رتّب له تلامذته. لحظةَ الحكم بإعدامه أيقن أنه جاء فى الوقت الخطأ، ليُنير الطريق لعميان لم يُقدّروا فكره، فآثر الرحيلَ واستعذب مذاقَ السمّ! وغالب الظنّ أن كل تنويرى يُهانُ ويُسبُّ ويُشتَم ولا يُقدّر فى مجتمعه يشعرُ فى لحظة ما بأنه: «جاء فى الوقت الخطأ». وهذا غير صحيح. فلو جاء فى زمان مستنير ما كان لمشعله رسالة.

= فلاسفةٌ ومفكرون وأدباءُ عُذِّبوا وأهينوا ولُعِنوا من أناسٍ لم يقرأوا كتبهم ولا قاربوا فكرهم. «نصر حامد أبوزيد» (العقلانية فى تفسير النص)، الشيخ «على عبدالرازق» (الإسلام وأصول الحكم)، «خالد محمد خالد» (من هنا نبدأ)، والقائمة تخترقُ الزمانَ وصولًا إلى الحلاج والسهروردى والنفّرى وابن عربى، والفيلسوف الشارح صاحب اليد البيضاء على نهضة أوروبا «الوليد بن رشد»، الذى قال بعدما اكتشف أن فكره أصعب من أن يستوعبه الجميع: «لا ترمِ نورَك للعامّة».

تلك إحدى الِمحن الفكرية «الطفولية» المتجذّرة فينا، بكل أسف. ثقافتُنا «سمعيةٌ»، وصوتُنا عالٍ، وضمائرُنا، دائمًا، مستريحة ونحن نَسبّ ونلعن ونُكفِّر ونقتل! لهذا ينعتُ الغربُ العربَ بأنهم: «ظاهرةٌ صوتية»، ولا شىء أكثر.

= الذى طعن «نجيب محفوظ» لم يرهِق نفسَه بقراءة رواية ولا مقال قبل أن يغرس خنجرَه فى عنق كهل يتوكأ على عصاه! والذى قتل «فرج فودة»، الناس «قالولووو» إنه عدو الإسلام! فاغتاله دون أن يقرأ له حرفًا. ولو فعل لعرف أنه أكبرُ ناصر للإسلام. لكن «ضغط الزناد» أسهل من «القراءة» فى مجتمع قالولوووو!، وعُد بالزمن لتُذهل من كمّ شهداء عظام كُفّروا وأهينوا ونُفوا وخيض فى أعراضهم بالزور والكذب والبهتان؛ ومفتاح السر دائمًا: «قالولووو» .

= (لماذا قتلت الدكتور «فرج فودة»؟)، (عشان كافر!). (أى كتاب من كتبه عرفت منه أنه كافر؟). (أنا مبعرفش أقرأ. بس قالولى إنه كافر، فقتلته!). هذا القاتل «من ضحايا قالولووو». وسَلْ أىَّ ضحية مماثلة: (تعرف إيه عن ابن رشد؟!)، سوف يقسم لك إنه كافر! هو لم يقرأ «ابن رشد». لكنه «سمع» من «سامع» عن «سامع» عن «سامع السامع» أن أحدهم كان «يسمع» ممن «سمع» أنه كافر! تلك هى «الثقافة السمعية» التى تُزهق الأرواحَ وتدمر المجتمعات.

كم من جرائم إنسانية كبرى راحت ضحيتها قممٌ فكرية ورموز شواهق من العسير على الإنسانية أن تعوضهم، بسبب تلك الثقافة الطفولية «الببغائية» البغيضة، ثقافة: «قالولووو»

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مجتمع «قالولووو» مجتمع «قالولووو»



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab