بقلم: فاطمة ناعوت
لا شكَّ فى أننى سوف أضيفُ هذا المقالَ لكتابى القادم الذى أعكفُ عليه هذه الفترة، وأحكى فيه لمحاتٍ وطرائفَ وإشراقاتٍ وحكايا من دفتر أصالة شعبنا المصرى الجميل، الذى يظهر نقاءُ معدنه وصلابةُ وحدته فى المحكّات والشدائد. اخترتُ للكتاب عنوانًا مبدئيًّا هو: «دفتر المحبة التى لا تسقط أبدًا».
فى ظل هذه الأزمة الصعبة التى نحياها الآن مع قطع التيار الكهربائى عن جميع بيوت مصر ساعاتٍ كل يوم، تماشيًا مع خطّة تخفيف الأحمال، وتزامُن هذا مع امتحانات الثانوية العامة التى تستمر حتى يوم ٢٠ يوليو القادم، أعلنت مساجدُ وكنائسُ ونوادٍ ترحيبها باستضافة الطلاب للاستذكار على ضوئها، حال انقطاع التيار الكهربائى فى بيوتهم.
«من الفجر حتى العاشرة مساءً»، هذا الشعار رفعته مساجدُ محافظة كفرالشيخ، معلنةً فتح أبوابها لاستقبال طلاب الثانوية العامة للمذاكرة على ضوئها فى فترات انقطاع التيار الكهربائى عن بيوتهم. وكذلك فتح مسجد «الصحابة» فى طنطا أبوابه من السادسة مساء وحتى العاشرة، وحذت حذوهما مساجدُ أخرى فى جميع محافظات مصر.
جاءت المبادرةُ الجميلة من كنيسة «الشهيد مارجرجس الجيوشى» بشبرا، و«الكنيسة الإنجيلية» بالعطارين، وكنيسة «القديسيْن يواقيم وحنا» فى المنيا، وكنيسة «رابطة القدس» فى الظاهر، وغيرها من كنائس الإسكندرية ومختلف محافظات مصر، حيث أعلنت ترحيبَها باستضافة طلاب الثانوية العامة وقت انقطاع التيار الكهربائى فى بيوتهم، ليتمكّنوا من مراجعة دروسهم فى قاعات مكيفة الهواء، دون مقابل بالطبع، إضافة إلى تقديم «واجب الضيافة» من شاى ونسكافيه وعصائر. ووضعت دورُ العبادة شرطًا وحيدًا راقيًا هو: «الالتزام بالهدوء والتركيز فى المذاكرة وعدم التشتت والكلام الجانبى»، من أجل تحقيق الهدف المنشود من الاستضافة الكريمة، وهو: الحفاظ على مجهود الطلاب طوال العام وتحقيق أفضل النتائج فى الامتحانات بإذن الله. وحذت حذوَ الكنائس والمساجد عديدُ الأندية الاجتماعية والرياضية والمقاهى وقاعات المناسبات التى أعلنت استضافة أبنائنا وتوفير قاعات مناسبة لمراجعة دروسهم والاستعداد للامتحانات، التى نرجو لهم التوفيق فيها بإذن الله.
هذا شعبٌ عظيم يستحقُّ الحياة، ويستحقُّ المجدَ لأنه يعرف كيف يصمدُ فى وجه المحن والنوازل حتى يغلبَها.
ونحن نثمّن وجاهة قرار رئيس الحكومة المصرية د. «مصطفى مدبولى» بغلق المحال التجارية فى العاشرة مساءً، من أجل ترشيد استهلاك الكهرباء. ونكرر مناشدتنا للمسؤولين بوقف خطة قطع التيار الكهربائى لحين انتهاء امتحانات الثانوية العامة هذا العام، فليس أهم من الاستثمار فى أبنائنا وحماية مستقبلهم لأنهم صُنّاع الغد. ندعو الله أن تنجح الحكومة المصرية فى تجاوز الأزمة واتخاذ التدابير العاجلة لحل مشكلة الكهرباء، رأفةً بالحالات المرضية التى تستوجب العلاج بأجهزة كهربائية، والعجائز وأصحاب الإعاقات الذين يعتمدون على الكهرباء فى المصاعد وغيرها من وسائل الحركة، وكذلك ارتفاع درجة الحرارة المخيف هذه الأيام والاحتياج الملّح للمراوح وأجهزة التكييف. فالكهرباء ليست رفاهية يمكن الاستغناء عنها، بل هى ضرورة حياة مُلحّة لا تستقيمُ الحياةُ دونها. وتحية احترام لشعبنا العظيم الذى يعى ويتحمل مشاكل بلده؛ ويثبتُ دائمًا أنه الظهير الشعبى القوى لوطنه ودولته وحكومته وقيادته، فى المحكات والمواقف الصعبة.
فى مثل هذه الأيام قبل ١١ عامًا، كان شعبُنا الرائع يتهيأ لأعظم حراك ثورى ضد المحتلّ الإخوانى، وقال قولته التى هزّت أرجاء الدنيا: «يسقط حكم المرشد»، وكنّا نحن- الشارع الثقافى- فى «اعتصام المثقفين» نجوبُ محيط شارع «شجر الدر» فى الزمالك، حيث «وزارة الثقافة» التى رفضنا أن يغتصبها الإخوان، نحمل لافتات الحثّ على النزول يوم ٣٠ يونيو. وكنتُ أختتم جميع مقالاتى فى جريدة «المصرى اليوم» يومى: الاثنين- الخميس أسبوعيًّا، بعبارة ثابتة لا تتغير، هى: «موعدنا ٣٠ يونيو». والشكر لله شكرًا عظيمًا على استرداد الوطن من أنياب أعداء الوطن.
اللهم فرّج كربنا ويسر أمرنا وأمدنا بالقوة والجلد أن نمرَّ بوطننا العزيز من هذه المرحلة الصعبة. آمين.
***
ومن نُثار خواطرى:
***
(وجوه)
مسحَتِ الجِباهَ السُّمرَ
كفٌّ
ارتوتْ بماءِ النيل
فغسلَ القَطْرُ الطيّبُ
وجوهًا
أرهقَها اليُتْمُ
والشتات
...
رفعتِ العيونُ ضوءَها
صوبَ وجه الله
وتمتمتْ:
«ادخلوها بسلام آمنين»
فارتسمتْ ظلالُ نورٍ
محلَّ العتمة
...
مشى الكلامُ
فى حقلِ الكتابِ
وقال:
«مباركٌ شعبى»،
فهمستُ لنفسِى:
«تلك بلادى»!