الموتُ الفقدُ غيابُ الأمل

الموتُ.. الفقدُ.. غيابُ الأمل

الموتُ.. الفقدُ.. غيابُ الأمل

 العرب اليوم -

الموتُ الفقدُ غيابُ الأمل

بقلم: فاطمة ناعوت

ليستِ المشكلةُ فى «الموت»، بل فى «الحياة» بعد موت مَن نحب. حين يموتُ مَن نحبُّهم، يتلوّنُ العالمُ بغلالة معتمة تحجبُ الضوءَ والإشراق. تتحوّلُ الذكرياتُ الحلوة إلى وخزاتِ أشواكٍ تقضُّ المضاجعَ، فلا نهنأ بنوم أو بصحو. نهربُ من ذكرياتنا مع من نحبُّ، فتتلقفنا غيرُها، ولا يخفُتُ الوجعُ، حتى يغدو العقلُ أداةَ تعذيب نتمنى أن يخمُدَ أو يتوقف عن العمل. نحنُ لا نخافُ الموتَ لأننا ذاهبون إلى الجمال المطلق حيث وجه الله الذى لا يُخشى فى حضرته شىء. لكننا نرتعبُ من رحيل أحبّتنا لأننا لا نتحمّل الحياةَ دونهم. فجيعةُ الموت تكمن فى «فقدان الأمل» فى رؤياهم من جديد. حين يهاجرُ الذين نحبُّهم، إلى حيث لا ينتوون الرجوع، نظلُّ نأملُ أننا مُلاقوهم ذات نهارٍ مشرق، فهم يحيون والحياة مع وجودهم مُحتملة. لكن الموتَ يصفعُنا بسؤال مُرّ: «معقول مش هاشوفه تانى؟!، يعنى إيه؟!»، للسؤال إجابةٌ نعرفها، لكننا لا نقبلُها.

خلال الأسبوع الماضى، اصطدمتُ باثنتين من حالات الرحيل، وعاينتُ هذا الشعورَ المفجع فى عيون أحبّتهما. أحدهما صديقى، والأخرى شقيقة صديقى. فى جريدة «المصرى اليوم» كتب صديقى، د. «طارق الشناوى»، مقالًا موجعًا عن رحيل شقيقته الدكتورة «مها الشناوى». كان بينهما وعدٌ باللقاء لكى يصحبها إلى طبيب شهير. هاتفها ولم تردّ، فقد أخلفت وعدَها معه وسافرت إلى السماء دون أن تودعه. ويحكى صديقى بكلمات من وجع عدم استيعابه فكرة أن شقيقته الحبيبة لم تعد موجودة!. فى المقبرة وقف أمام ضريحها ذاهلًا منفصلًا عن الواقع، كأنما يشاهد المشهد من وراء شاشة!، وكما نفعلُ فى النوازل، راح يهمسُ لنفسه أن هذا المشهدُ مؤقتٌ عابر وغير حقيقى. لابد أن يُطلَّ وجهُ شقيقته، وتركض إليه تعانقه. وفى صباح اليوم التالى راح ينتظر مكالمتها الصباحية المعتادة لتسأله عن كلمة فى أغنية أو ذكريات إصدارها، ووجد نفسه على صوت فيروز يهتفُ: «بحبك يا مها»!.

الراحل الثانى صديقى الدكتور «محمود العلايلى»، الطبيب المثقف والقيادى السياسى والإصلاحى التنويرى الكبير. فى مسجد «الشرطة» بالشيخ زايد، دخلتُ أبحثُ بين العيون الحزينة عن عينى زوجته وشقيقته وابنته لكى أعانقَ قلوبَهن. وكما توقعتُ. كانت العيونُ شاغرةً لا حياة فيها، وكأنما ارتسمت على صفحات وجوههن مسحاتٌ من عدم الاكتراث، وهى إحدى «الحيل الذهنية»، التى يصنعها العقلُ لكى يتأهب لتحمُّل النوازل الجسام التى لا يتحملها عقل ولا يُطيقها قلب. إنه الذهول وعدم التصديق، أو الأدق عدم الرغبة فى التصديق.

مازلتُ أذكرُ لحظة وفاة أمى. فى مسجد «النور» بميدان العباسية، كنتُ جالسةً أمام نعش أمى بعد الصلاة عليها، شاغرةَ العينين خاويةَ القلب محطّمة الحواس. وفجأة همست صديقتى فى أذنى: «ماما واقفة برا وعاوزة تشوفك». طِرت من الفرح وركضتُ نحو باب المسجد لأقابل «ماما»، فهذا هو المنطق الوحيد بين كل ما يجرى من عجائب أعيشُها منذ الصباح من وفاة وتغسيل وتكفين وبكاء ونحيب. مستحيلٌ أن ترحل أمى وتتركنى وحيدةً ويدى مازالت مُعلّقةً فى طرف ثوبها!!!. وصلتُ إلى باب المسجد وبحثتُ عن أمى يمينًا ويسارًا حتى شعرتُ بيدٍ تربت على ظهرى وحِضنٍ يتلقفنى ويدسُّ رأسى فى كنفه. استسلمتُ برهةً لهذا الشعور المُطمئن أن أمى عادت إلىَّ ولم تمت. لكننى لم أشمّ رائحة أمى ولا شابه دفءُ الحِضن دفءَ حضنِها. رفعتُ رأسى لأبصرَ مَن يعانقنى، فوجدتها والدةَ صديقتى، وهى المقصودة بقولها: «ماما برا عاوزة تشوفك»!!!. أمى أنا رحلت، ولم يعد ممكنًا أن أراها، ومن يومها صرتُ أخافُ اللون الأبيض.

***

(اللونُ الأبيض)

ماذا أعملُ بالثلجِ

عشّشَ فى أركانِ البيت

يُخبرنى كلّما أنسى

أن البرودة

هى كلُّ ما تركتِه لى؟

ماذا أعملُ بقِطَّتِكِ البيضاء

تُقعى فى غرفة المعيشة

تنظرُ فى ترقُّبٍ

نحو بابِ البيت

تَرْجُفُ أذناها

مع كلِّ وقعِ قدمٍ

على درجات السُّلّم

تظُنُّها أنتِ

مثلما أظنُّ أنا

ماذا أفعلُ

بالأبوابِ البِيضِ

مغلّقةٍ أمام قلبى؟

بستارةٍ بيضاءَ

ساكنةٍ لأن الشيشَ مُقفَل

ماذا أفعلُ

بالسيارةِ البيضاء العجوز

تبكى غيابك؟

ماذا أفعلُ بشالِك الأبيض

وقطرةٍ من ماءِ زمْزمَ

عالقةٍ فى كأسِ غُسْلِك؟

ماذا أفعلُ

بخوفى يا أمى التى تركتنى وطارتْ

ويدى لم تزل

معلّقةً فى طرفِ ثوبِها؟

بعد رحيلكِ.. صرتُ أخافُ اللونَ الأبيض.

arabstoday

GMT 07:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 07:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 07:11 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 07:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 07:05 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 07:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 07:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 06:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الصراع الطبقي في بريطانيا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الموتُ الفقدُ غيابُ الأمل الموتُ الفقدُ غيابُ الأمل



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام
 العرب اليوم - تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان
 العرب اليوم - هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 23:03 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تكسر قاعدة ملكية والأميرة آن تنقذها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab