بقلم : فاطمة ناعوت
حدثتكم فى مقالى يوم الإثنين الماضى عن الوصفات السحرية لبعض «حلويات رمضان» المصنوعة من الشهد المُصفّى؛ ولا تسبب أمراض السمنة والسكر والكوليسترول، بل على العكس، تُنعشُ البدن وتُطيلُ العمرَ وتغمرُ الروحَ بهرمون السعادة. وتلك الحلوى قسمان، أولهما: حلوى عامّة نتذوقُها جميعًا، ممهورة بختم: «صُنع فى مصر»، مثل: «زينة رمضان» التى يتشاركُ فى صنعها وتعليقها فى الشوارع مسيحيو مصر ومسلموها، و«موائد المحبة» يقيمها أشقاؤنا المسيحيون فى رمضان لنُفطر عليها مع أذان المغرب، فنستظلُّ معًا بوارفة الإنسانية والوطن، والشبابُ الجميلُ ترسلُهم الكنائسُ ينتشرون عند نواصى الطرقات، يحملون التمرَ والماءَ لكل عابرٍ أدركه أذانُ المغربِ بعيدًا عن داره.
وأما القسم الثانى فهو حلوى خاصّة لا يعرفُ وصفتَها ومذاقَها إلا مَن عاينه. وفى حياة كلًٍّ منّا عشراتُ الأصناف من تلك الحلوى، مثل جارٍّ وقف إلى جوار أخيه فى شدّته، أو طبيب أنقذ حياة طفل، أو معلّم ذى فضل على تلامذته، وغيرها من آلاف القصص التى تذخر بها ذاكرةُ المصريين وتحمل طابع: «خاص/ مصر». حدثتكم عن بعض حلواى الخاصة، ونفدت مساحةُ مقالى السابق دون أن تنفد حكاياى، واليوم أكملُ لكم بعض حلواى التى رزقنى بها اللهُ؛ لأحيا.
«مسيو/ موريس إسكندر»، معلّم الرياضيات فى الثانوية العامة الذى راهنَ على نبوغى فى مادته وعدَّنى لدخول كلية الهندسة. فى منتصف العام الدراسى سافر فى بعثة إلى دولة «غانا» لنبوغه وتفرّده. وارتبكتْ خُطاى وبكيتُ خوفًا من إخفاقى. وبعد أسبوع من سفره، جاءنى ساعى البريد حاملًا خطابًا من معلّمى النبيل، به مسائلُ فى التفاضل والتكامل والفراغية. وتوالت المراسلات الورقية تحملُ المعادلاتِ المعقدةَ من أستاذى، وإجاباتى، لكى يصححها لى. وسائل التواصل الحديثة مثل الإيميل وواتس آب، لم تكن متاحة آنذاك. وتفوقتُ بفضل هذا المعلّم النبيل، ودخلتُ هندسة عين شمس.
«قلقاس وعظام». ابنى «عمر»، كما تعرفون، يقعُ تحت «طيف التوحد». ولهذا يعانى من «نفاذية الأمعاء»، ولا علاج لها إلا «شوربة العظام»، التى تحملُ مادةً تُرمّم الأنسجة. والعثور على العظام فى الحى الذى أسكنه عسيرٌ عسير، لكن صديقتاى الجميلتان «هالة كامل»، «سميرة صبحى»، تأتياننى كل شهر حاملتين كميات ضخمة من العظام لكى أنقذ ابنى. وأما «القلقاس» فرغم عشقى له، أبدًا لا أطهوه لصعوبته، وعدم حب أسرتى له. لكن صديقتى السابقتين دائمًا ما تطهوانه لأجلى. فضلًا عن عزومات «عيد الغطاس» التى تصلنى من آلاف المسيحيين الذين يعرفون ولعى بالقلقاس الأخضر.
«رامز سعد»، الكيميائى الحيوى المصرى الكندى، الذى تبنّى حالة ابنى «عمر» منذ سنواتٍ ثلاث، فحلّل أنسجة شعره ليعرف نسب المعادن الثقيلة فى جسمه، ووضع له بروتوكول علاج ونظامًا غذائيًّا صحيًّا، ظل يتابعه معى يوميًّا، دون مقابل، حتى تخلص جسد صغيرى من السموم، وصار اليوم، ولله الشكر، شابًّا رياضيًّا رشيقًا مقبلًا على الحياة.
«سحور على الرصيف»، مجموعة من الشباب الجميل «مورا- ليوناردو- مايكل» أصحاب نادى «أروم»، جلبوا «عربة فول» كبيرة ووضعوها على الرصيف، وفى كل ليلة من ليالى رمضان يقدمون للمارة السحور فى شارع «عمر بن الخطاب» بمصر الجديدة تحت أضواء فوانيس رمضان، فى طقس مبهج يجمعُنا على المحبة والفرح.
«فانوس رمضان»، الضخم الذى أهداه لى صديقى الإعلامى المصرى الأمريكى «وائل لطف الله»، أثناء زيارته القصيرة لمصر. ولضخامته مع صغر مساحة شقتى، أهديتُه بدورى إلى نادى «أروم» السابق ذكره.
البروفيسور د. «فتحى فوزى مرقس»، طبيب العيون النبيل. أثناء الثورة وتبعاتها، فقدت سيدةٌ بسيطة ابنتَها الوحيدة؛ بكتها الأمُّ حتى ذهب نورُ عينيها. ذهبتُ بأم الشهيدة إلى مستشفى «الوطنى للعيون»، وأصرّ هذا الطبيب العظيم على مباشرة علاجها بنفسه. وبعد تمام الشفاء، هممتُ بدفع المقابل؛ لكن قسم الحسابات أبلغ الدكتورَ «فتحى» بذلك، فنزل بنفسه، وردَّ إلىَّ المالَ بحسم قائلًا: «من فضلك سيبينا ناخد بَركة معاكى!». ولم يكتفِ بذلك بل قدّم لها الأدوية والقطرات من صيدلية المستشفى هدية طيبة.
أما «قطعة الحلوى التاريخية» التى لن يزول مذاقُها من ألسنِنا، ولن تكفَّ ألسنُنا عن ذكرها، فكانت زيارة الرئيس السيسى للكاتدرائية عشيةَ عيد الميلاد المجيد عام 2015، والتى لم تنقطع على مدى الأعوام، ليرسِّخَ فى دفتر الوطن رسالةً تقول: إن الرئيسَ أبٌ للمصريين جميعًا دون تمييز. وفى كتابى القادم الذى أعكف الآن على كتابته: «دفترُ المحبة التى لا تسقطُ»، سوف أضعُ وصفاتِ المئات من قطع الحلوى الخالية من السكر، والمعجونة بالشهد المصفّى