«حاجة تخوّف» المعذّبون أمام المرآة

«حاجة تخوّف».. المعذّبون أمام المرآة!

«حاجة تخوّف».. المعذّبون أمام المرآة!

 العرب اليوم -

«حاجة تخوّف» المعذّبون أمام المرآة

بقلم: فاطمة ناعوت

نحن الذين نرتدى الأسودَ المُبقَّع بالرمادى، وعلى ظهورنا ثلاثةُ خطوطٍ حمراء مُقوَّسة، وكأن يدًا عملاقة خمشتِ اللحمَ بأظافرها ففصدَ الدم. نحن الذين نصرخُ فى هلعٍ: «أنا معملتش حاجة»، راكضين من مكان إلى مكانٍ، حتى إذا ما صادفتنا المرآةُ تسمّرنا أمام صفحتها، شاخصةً عيونُنا، لنصافحَ أرواحَنا المصدوعة، ونتأكد أننا لسنا أنقياءَ كما نتوهّم، بل هناك ما يلوّثُ وهناك ما يُدنّسُ وهناك ما يُخيف. نحنُ المعذّبون الذين لا نعرف كيف نتحرّرُ من عذابنا، إلا حين يقنصُنا الجلادون ويبرقون فى عيوننا بفلاش الكاميرا التى تسجّل لحظة الخطيئة، فننصهر مثل الشمع الذائب، ونسقطُ فى غيبوبة لا منجاةَ منها إلا التطهّرُ من الآثام ومن الخوف!.

كيف تُصاغُ مثل تلك الأفكار المعقّدة شديدة العمق، على خشبة مسرح، دون الوقوع فى فخّ التجريد والاسكولائية المباشرة التى تهدمُ الفنَّ؟!. كيف تشاهدُ تلك الرؤى الفلسفية المركّبة لا فى قاعة محاضرة أو فى كتاب فلسفى، بل لحمًا ودمًا عبر حشد هائل من الشباب والصبايا تطفرُ منهم الموهبةُ والأداءُ الفائق والتناغم المتقن كأنهم يمارسون فنَّ الكتابة والتمثيل المسرحى وفنون الأداء الحركى منذ مائة عام، بينما أعمارُهم حول العشرين؟!. شىءٌ صعبٌ ومُلغزٌ لا يعرفُ سِرَّه إلا مايسترو صناعة النجوم: المخرج الكبير «خالد جلال».

دفعةٌ جديدة من دفعات «ورشة الارتجال والتمثيل» التى ينتقيها «خالد جلال» بملقاط الألماس من الموهوبين ويقوم بتدريبهم وضبط إيقاع مواهبهم حتى ينتجوا هذا العرض الجميل: «حاجة تخوّف»، الذى يُقدّم على خشبة «مركز الإبداع الفنى» ضمن عروض «المهرجان القومى للمسرح المصرى ٢٠٢٤».

من العبث أن أنكر حجمَ الخوف الذى تلبّسنى قبل بداية العرض وأنا أجلسُ فى الصف الأول من مسرح الغرفة المظلم إلا من إضاءات حمراء مريبة كأنها غرفة الإعدام، أتأملُ الفتيات الثلاث فى فساتينهن السوداء بملامحهن الجامدة Poker-Face وشعورهن المُسدلة وحركاتهن الرتيبة!. يرقصن على نغمات أغنية Twinkle Little Star بصوت الدمية الشريرة Chucky؛ واحدة منهن تنطُّ الحبلَ، والحبل غير موجود، والأخرى تلعبُ «الحجلة» على أرض غير مُخططة بالطباشير، والثالثة تتقدّم نحوك فى ثبات وبطء وهى تطرق برأسها وتشخصُ بعينيها الفارغتين فى عينيك مباشرة وكأنك «أنتَ» المقصود بهذه المحاكمة «الدورينماتية» التى سوف تخضعُ لها بعد قليل، حين يبدأ العرضُ المخيف، الذى تسبقه ضحكاتُهن الهستيرية المرعبة، كأنها أزيزُ موتى تحت التعذيب. واحدة منهن تحمل حول جيدها كاميرا، سوف تُطلق ضوء فلاشها فى لحظات انسحاق المعذبين حين يدركوا، أمام مرآة ميدوزا، خطاياهم ولحظات خوفهم. الطمع، الحقد، الإنكار، العجز، الحسد، الخيانة، اللاانتماء، العقوق، الاتجار فى البشر، طمس الهوية، الأنانية، وغيرها من فخاخ الشيطان وحبائله التى يلفّها حول أعناقنا لنسقط فى وحل الإثم ونتدنس بالخطيئة، ويكون علينا بعدئذ أن نتطهر من أدراننا ونتحمّم بنور الفضيلة، بعدما نتحرر من «الخوف» كشرط أساسى للنجاة. لهذا ينتهى العرضُ بأن يقتل المعذبون خوفَهم بقتل الأسرة الشريرة التى تمثل «الخوف» داخل أعماقنا. تلك الأسرة التى تحتجز الخُطاة فى قصر المرايا ليشاهدوا آثامهم وينسحقوا تحت وطأة مخاوفهم.

هذا العجوز الذى يحمل قنديلًا فى وهج النهار، لم يكن الفيلسوف «ديوجين» الباحث عن الحقيقة، بل كان المسخَ الدميم الذى يتصيّد ضحايا الخوف ويقودهم إلى القصر حيث طقوس العذاب.

شكرًا للفنانين الكبار «محمد حسيب»، «محمد نديم»، «هبة كامل»، «أشرف مهدى» وجميع الشباب الواعد الذين يجب ذكر أسمائهم جميعًا وتقديم التحية لهم على هذا العمل الفاتن تحت قيادة مايسترو الإخراج «خالد جلال»، الذى يمسك عصاه ليضبط إيقاع سيمفونية الارتجال الفنى المضفور باحترافية الأداء ليقدّم لنا على مدى السنوات الماضية: «قهوة سادة»، «بعد الليل»، «سلّم نفسَك»، «هبوط اضطرارى»، ثم «حاجة تخوف»، والقادمُ لا يقلُّ جمالًا بإذن الله. هذا «المايسترو» الذى يختار تلامذته بعين جواهرجى ينتقى الدرّ النفيس من حصى الأرض، ويصقل صخورَ الكربون فيتلألأ ألماسًا مُشِعًّا يخطف الأبصار ويسرُّ الناظرين.

شكرًا لكل هذا الثراء الفنى الوقّاد، وشكرًا للمهرجان القومى للمسرح المصرى ومديره النجم «محمد رياض» على هذه الجرعات الغنية التى ننهل منها على مدى أسبوعين من الفن الرفيع.

ومن نُثارِ خواطرى:

(مسرح)

لىَ الآنَ/ أن أسحبَ الستارةَ الحمراء/ وأنسحبَ من المسرحِ/ وأجلسَ مع جمهرة المتفرجين/ عساىَ/ أعيدُ بناءَ جدارٍ متصدِّعٍ/ فى عمق روحى../ أمَّا صورتى تلك/ التى مازالت ترقصُ فوق الخشبة/ فقد ألقيتُ بها / تمامًا فوق الشبكية/ لكى أتأمَلَها فيما بعد/ وحدى.

arabstoday

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

ترامب في البيت الأبيض... رجل كل التناقضات والمفاجآت!

GMT 14:33 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

شرور الفتنة من يشعلها؟!

GMT 14:21 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

الإسلام السياسي.. تَغيُّر «الجماعات» و«الأفكار»

GMT 14:20 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

مخيم جباليا الذي اختفى

GMT 14:19 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

يد العروبة من الخليج إلى المحيط

GMT 05:57 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

هل سيكفّ الحوثي عن تهديد الملاحة؟

GMT 05:56 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

برّاج في البيت الأبيض

GMT 05:54 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

المخرج الكوري والسعودية: الكرام إذا أيسروا... ذكروا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«حاجة تخوّف» المعذّبون أمام المرآة «حاجة تخوّف» المعذّبون أمام المرآة



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 16:11 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أحمد الفيشاوي يعلق على خسارته جائزة "أحسن ممثل"
 العرب اليوم - أحمد الفيشاوي يعلق على خسارته جائزة "أحسن ممثل"

GMT 11:30 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 05:22 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

تحالفاتُ متحركة

GMT 05:57 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

هل سيكفّ الحوثي عن تهديد الملاحة؟

GMT 04:01 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 6 درجات يضرب تايوان ويخلف 15 مصابا

GMT 13:20 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

كريم عبد العزيز يتّخذ قراره الأول في العام الجديد

GMT 13:09 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

بعد 22 عاما محمد سعد يكشف سرّاً عن فيلم "اللي بالي بالك"

GMT 13:16 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

محمد منير يواصل التحضير لأعماله الفنية في أحدث ظهور له

GMT 08:47 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

جائزة هنا.. وخسارة هناك

GMT 09:11 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط بين إرث بايدن وتأثير الترمبية

GMT 09:12 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

عاد ترمب... الرجاء ربط الأحزمة

GMT 09:16 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

لفائف لا مجلّد

GMT 09:15 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

حماس تخطف اللحظة والصورة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab