بقلم : عبد اللطيف المناوي
تشهد الضفة الغربية فى الآونة الأخيرة تصعيدًا متزايدًا فى حالة التوتر فى ظل غياب أى أفق سياسى لحل الصراع. الأحداث المتسارعة، كما ورد فى التقارير الإسرائيلية والفلسطينية الأخيرة، تشير إلى أن الأوضاع مرشحة لمزيد من التصعيد بدلًا من تحقيق الاستقرار.
أحد أبرز الأسباب لعدم استقرار الضفة الغربية هو الانقسام الفلسطينى الداخلى الذى لم يجد طريقًا للحل. لا تقتصر الخلافات على الصراع بين حركتى فتح وحماس، بل تمتد لتشمل العلاقة بين السلطة الفلسطينية والمسلحين المنتشرين فى مناطق عديدة فى الضفة.
السلطة الفلسطينية تعانى من أزمة ثقة متزايدة، إذ يُنظر إلى تعاونها الأمنى مع إسرائيل كوسيلة لتبرير بقائها أمام المجتمع الدولى. فى المقابل، تتصاعد المقاومة المسلحة بين فئات من الشباب الفلسطينى، الذين يرون فى الكفاح المسلح الوسيلة الوحيدة للدفاع عن حقوقهم، خاصة فى ظل فشل السلطة فى تحقيق أى إنجاز سياسى يذكر. تمثل المستوطنات الإسرائيلية نقطة اشتعال دائمة فى الضفة الغربية، حيث يتصرف العديد من المستوطنين وكأنهم فى «أرض بلا صاحب». تتزايد الهجمات على الفلسطينيين وممتلكاتهم بشكل مستمر. السلطات الإسرائيلية، بدلًا من كبح العنف الاستيطانى، تعمل على توسيع المستوطنات وشرعنة البؤر الاستيطانية. هذا الوضع يعزز شعور الفلسطينيين بعدم وجود أى حماية لهم، ويغذى دوامة العنف.
على المستوى السياسى، يبدو أن معظم الأحزاب الإسرائيلية، سواء اليمينية أو الوسطية، تتجنب الحديث عن حل سياسى للصراع. بدلًا من ذلك، تركز على توسيع المستوطنات وتعزيز السيطرة الأمنية على الضفة الغربية.
هذا الجمود السياسى يعمق شعور الفلسطينيين بفقدان الأمل، مما يدفعهم إلى البحث عن طرق بديلة لتحقيق حقوقهم. فى ظل هذا الوضع، يصبح من المستحيل التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد. رغم القلق الذى تبديه بعض الدول العربية والغربية من الأوضاع فى الضفة الغربية، فإن هذه الدول لا تتخذ خطوات جدية للضغط على إسرائيل أو الولايات المتحدة لتغيير الوضع. مع اقتراب تنصيب إدارة أمريكية جديدة برئاسة دونالد ترامب، تشير التوقعات إلى أن الإدارة القادمة ستكون أكثر دعمًا لإسرائيل وأقل اهتمامًا بالقضية الفلسطينية. بل إن هناك مؤشرات على أن إدارة ترامب قد تشجع المستوطنين على التوسع وتلغى العقوبات التى فرضتها إدارة بايدن ضدهم.
تستمر إسرائيل فى التهديد بشن عمليات عسكرية واسعة النطاق فى الضفة. لكن التجارب السابقة أثبتت أن هذه العمليات، رغم تسببها فى خسائر كبيرة بين الفلسطينيين، لم تنجح فى إنهاء المقاومة أو تحقيق الأمن. لكل ذلك يبدو أن الضفة الغربية بعيدة عن تحقيق الاستقرار فى المستقبل القريب. كل العوامل تجعل الوضع يتجه نحو مزيد من التوتر.
ما لم تحدث تغييرات جوهرية، سيبقى المشهد فى الضفة الغربية مرشحًا للمزيد من التصعيد ومزيد من تعقيد فرص الوصول إلى حل عادل ودائم.