بقلم : عبد اللطيف المناوي
«لأنه يكره أمريكا وترامب» هذا هو السبب الذى قدمه وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو تفسيراً لقرار طرد سفير جنوب أفريقيا إبراهيم رسول من واشنطن، واعتباره شخصا غير مرغوب فيه. هذا التطور فى العلاقات بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا تصعيد حاد. وخطوة وصفتها بريتوريا بأنها «مؤسفة» وغير مبررة وتتعارض مع اللياقة الدبلوماسية. جاء هذا القرار فى سياق توتر متصاعد بين البلدين، تغذّيه خلافات سياسية واقتصادية متشابكة، ما يطرح تساؤلات حول أبعاده العميقة وتداعياته على مستقبل العلاقات الثنائية.
بحسب التصريحات الرسمية، بررت واشنطن طرد رسول باتهامه بـ«التحريض على التوترات العرقية» و«كراهية الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب»، إلا أن خلفيات القرار تكشف عن دوافع أكثر تعقيدًا، فمنذ شهور تتنامى حدة الخلاف بين الإدارتين، خاصة بعد أن أقرت حكومة جنوب أفريقيا قانونًا لإصلاح الأراضى يسمح للدولة باقتطاع الأراضى الزراعية غير المستغلة من المزارعين البيض لصالح المواطنين السود، وهو إجراء أثار غضب إدارة ترامب، التى اعتبرته نوعًا من التمييز العنصرى الموجه ضد الأقلية البيضاء، ودفعها إلى وقف المساعدات المالية لبريتوريا.
التوتر لم يقتصر على هذه المسألة وحدها، بل تصاعد بعد أن رفعت جنوب أفريقيا دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، متهمةً إياها بارتكاب إبادة جماعية فى غزة، وهو ما اعتبرته واشنطن تصعيدًا غير مقبول ضد أحد أقرب حلفائها. وإلى جانب هذا الخلاف، لم يكن خفيًا دور الملياردير الأمريكى المولود فى جنوب أفريقيا، إيلون ماسك، الذى انتقد علنًا سياسات حكومة رامافوزا، متهمًا إياها بتطبيق «قوانين ملكية عنصرية»، وهو موقف قد يكون له تأثير على دوائر صنع القرار فى الإدارة الأمريكية، بحكم علاقاته الوثيقة بترامب. القرار الأمريكى لم يمر دون رد، إذ سارعت جنوب أفريقيا إلى اتخاذ خطوات مضادة تمثلت فى تعليق عمل الشركات الأمريكية على أراضيها وإيقاف تصدير المعادن إلى الولايات المتحدة، وهو ما قد ينعكس سلبًا على الاقتصاد الأمريكى، حيث تحقق الشركات الأمريكية أرباحًا طائلة تتجاوز 25 مليار دولار سنويًا من السوق الجنوب أفريقية.
فى المقابل، وجدت بريتوريا فى هذا التصعيد فرصة لتعزيز تحالفاتها مع قوى أخرى، إذ لم تتأخر الصين عن إعلان تضامنها واستعدادها لدعم جنوب أفريقيا اقتصاديًا، وهو ما قد يشير إلى تحول استراتيجى فى خارطة التحالفات الدولية داخل القارة الأفريقية.
هذا التوتر يعكس صورة أوسع للسياسة الأمريكية فى أفريقيا، حيث تراقب واشنطن بقلق تمدد النفوذ الصينى والروسى فى القارة.
ومع تصاعد الأزمة، يبرز السؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للمخاطرة بعلاقاتها مع جنوب أفريقيا فى سبيل الحفاظ على مواقفها السياسية، أم أنها ستعيد النظر فى استراتيجيتها لتجنب خسائر دبلوماسية واقتصادية أعمق. فى ظل هذا المشهد، تبدو الأزمة مرشحة لمزيد من التصعيد، ما لم تجد الأطراف نافذة للحوار تعيد العلاقات إلى مسار أكثر توازنًا