بقلم : عبد اللطيف المناوي
«لا يوجد أى سبب لعدم إقامة علاقات بين تركيا وسوريا» هذا آخر تصريح للرئيس التركى أردوغان نهاية الشهر الماضى حول علاقات بلاده مع سوريا. ولكى نفهم التغير الحاد فى المواقف نستحضر تصريحًا، أيضًا لأردوغان، فى خطاب له منذ عشر سنوات فى ١٠ أكتوبر ٢٠١٤، قال فيه إن «بشار الأسد مجرم وإرهابى ويمثل خطرًا أكثر من تنظيم الدولة»، متسائلًا: «كيف يمكننا أن نتطلع إلى المستقبل مع رئيس سورى قتل قرابة مليون من مواطنيه؟».
قبل اندلاع الاحتجاجات السورية عام ٢٠١١، كانت تركيا حليفًا اقتصاديًا وسياسيًا أساسيًا لسوريا، لكنها قررت بعد ذلك قطع علاقاتها ودعم المعارضين الذين يريدون الإطاحة بالأسد.
فى البداية، اتخذت تركيا موقفًا دبلوماسيًا يدعو لإجراء إصلاحات سياسية، لكن ومع تصاعد العنف، أرسلت تركيا وزير خارجيتها إلى دمشق لتوجيه رسالة «شديدة اللهجة»، قبل أن تطالب أنقرة بتنحية الأسد.
جميع التصريحات السابقة لأردوغان كانت تؤكد رفضه القاطع إعادة العلاقات مع النظام السورى، بل تجاوزت ذلك إلى تحذير العالم من خطورة بشار الأسد ونظامه، والتشديد على «دعم الشعب السورى ليتخلص من الديكتاتور». ووصل الأمر إلى اعتبار «أن أمن الأناضول يبدأ من دمشق، وأن كل عسكرى سورى يقترب من الحدود التركية سيعامل على أنه عدو، فالنظام السورى لم يعد يشكل خطرًا على شعبه فقط، وإنما على تركيا والدول المجاورة». كما قال تصريح له فى يونيو ٢٠١٢.
آخر تصريح لأردوغان قال فيه «إن بلاده تريد إعادة العلاقات مع سوريا إلى النقطة التى كانت عليها فى الماضى»، مجددًا التأكيد على أنه سيوجه الدعوة إلى الرئيس السورى بشار الأسد لزيارة تركيا فى أى وقت. ويخرج ليؤكد أنّه لا يمكن أن يكون لدى تركيا أى نية أو هدف بالتدخل فى شؤون سوريا الداخلية.
هذا الموقف هو تجسيد لمقولة ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطانى الأشهر «لا عداء دائم ولا صداقة دائمة فى السياسة بل مصلحة دائمة» وأيضًا درس لكل من يقرر أن يتفاعل مع السياسة وتبدل المواقف باندفاع وبلا عقل. ودون أن يتذكر دائمًا «مبدأ تشرشل».
التغيّر فى الموقف التركى لم يأتِ من فراغ، لكنه جاء متسقًا مع ما تشهده المنطقة والعالم من تطورات. على سبيل المثال، فقد كان لإصرار الولايات المتحدة على دعم المشروع الكردى فى سوريا، بالإضافة إلى الضغوط الروسية والإيرانية والعربية الأخيرة التى تدفع تجاه إعادة تأهيل النظام السورى تأثير فى دفع التغير فى الموقف التركى.
تظل مخاوف تركيا من قيام كيان كردى انفصالى على حدودها مع سوريا أحد أهم دوافع انقلاب الموقف التركى، خاصة مع وجود شكوك بأن أمريكا تسعى لدعم تأسيس كيان كردى، قد لا يكون بالضرورة انفصاليًا أو مستقلًا، لكن مجرّد تشكيله قد يكون خطوة لإنشاء هذا الكيان، لذلك تتجه تركيا اليوم نحو الروس والتطبيع مع النظام السورى.