بقلم : عبد اللطيف المناوي
عودة ترامب إلى البيت الأبيض مثلت نقطة تحول كبيرة فى السياسة العالمية، فنهجه فى السياسة الخارجية لأمريكا، ولاسيما فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، يُعيد تشكيل ديناميكيات تعامل الغرب مع روسيا، وبالتالى يؤثر على أمنه وتحالفاته الاستراتيجية.
ففى الوقت الذى دعم فيه الرئيس السابق جو بايدن كييف، بقوة، من خلال المساعدات العسكرية والمالية، فإن ترامب يجنح إلى المصالحة مع موسكو، بحجة أن استمرار التدخل الأمريكى فى الحرب غير مستدام ماليًّا وغير حكيم استراتيجيًّا.
يثير هذا التحول أسئلة مُلِحّة: هل نهج ترامب محاولة براجماتية لمنع المزيد من التصعيد والتورط المالى، أم أنه يحمل مخاطر تقويض وحدة الغرب وأمنه؟، ما العواقب المحتملة لسياسة ترامب الجديدة؟، وما تأثيرها على توازن القوى العالمى بشكل عام؟.
يمكن اختصار استراتيجية ترامب بوصفها تقليص دور أمريكا كـ«شرطى العالم»، فقد تميزت رؤية ترامب للسياسة الخارجية دائمًا بنهج قائم على المصالح الاقتصادية، وهذا وضح خلال فترة رئاسته الأولى، حيث انتقد ترامب بشكل متكرر الحلفاء الأمريكيين لما اعتبره توزيعًا غير عادل للأعباء، خاصة داخل الناتو. كما ضغط على الدول الأوروبية لزيادة إنفاقها الدفاعى، بحجة أن واشنطن تتحمل عبئًا ماليًّا وعسكريًّا غير متكافئ لضمان الأمن العالمى.
الآن، ومع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية لأكثر من ثلاث سنوات دون حسم، يرى ترامب فرصة لإعادة توجيه الأولويات الأمريكية. وهو يزعم أن الولايات المتحدة أنفقت بالفعل أكثر من ٣٠٠ مليار دولار على أوكرانيا، وهى أموال كان من الممكن استثمارها فى مجالات داخلية مثل البنية التحتية والاقتصادية، وهذا ما يتماشى مع فصيل متزايد داخل الحزب الجمهورى، الذى بات أكثر تشككًا فى التدخلات الخارجية طويلة الأمد.
بالنسبة لترامب، فإن الهدف النهائى واضح، وهو الضغط على أوكرانيا وروسيا للدخول فى مفاوضات عن طريق قطع المساعدات الأمريكية، ما يدفع نحو حل دبلوماسى. ولكن لابد أن نسأل أنفسنا هنا: هل يمكن رصد فوائد محتملة لنهج ترامب على الغرب؟.
أظن أنه من الناحية الاستراتيجية والمالية، قد يحمل موقف ترامب بعض المزايا.
منع التصعيد مع قوة نووية- ونقصد هنا روسيا- هو مكسب مهم فى حد ذاته، إذ يرى ترامب ومؤيدوه أن الدخول فى حرب طويلة الأمد بالوكالة مع خصم مسلح نوويًّا هو خطر غير ضرورى، وقد يؤدى فى النهاية إلى كارثة عالمية.
ولأن ترامب يرفع دائمًا شعار تقليل الأعباء المالية على الولايات المتحدة، فان هذا التوجه يتسق مع هذا الشعار، فقد أنفقت الولايات المتحدة جزءًا كبيرًا من ميزانيتها الدفاعية على أوكرانيا، حيث خصصت مليارات الدولارات للأسلحة والتدريب والدعم الاقتصادى. ويرى ترامب أن هذا المستوى من الإنفاق غير مستدام، خاصة عندما لا تسهم الدول الأوروبية بنفس المستوى من الدعم.
هذه مزايا حقيقية قد تجنيها أمريكا والغرب من انسحاب ترامب من معادلة الحرب الروسية الأوكرانية، وغدًا نتناول الجزء الخاص بأضرار هذا الانسحاب.