بقلم : عبد اللطيف المناوي
فوز فيلم «لا أرض أخرى» (No Other Land) بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقى طويل لا يمكن أن نسميه انتصارًا فنيًا فقط، بل هو انتصار أخلاقى وإنسانى، بل وسياسى، يكشف للعالم حقيقة الاحتلال الإسرائيلى ومعاناة الشعب الفلسطينى المستمرة منذ عقود، وليس خلال فترة حرب غزة فقط.
الفيلم، الذى يقدم رحلة لناشط فلسطينى وهو باسل عدرا وصحفى إسرائيلى وهو يوفال أبراهام، يمثل شهادة حية على الجرائم التى تُرتكب يوميًا ضد الفلسطينيين فى الضفة الغربية، ويعيد تسليط الضوء على قضية هى فى الواقع محور أحاديث العالم هذه الأيام، وهى قضية التهجير.
ما يجعل هذا الفيلم استثنائيًا، ليس فقط توثيقه لعمليات الهدم والتهجير القسرى التى تنفذها قوات الاحتلال فى إحدى مناطق الضفة، بل أيضًا العلاقة الإنسانية المعقدة بين شخصين، أحدهما فلسطينى والآخر إسرائيلى، حيث يخضع عدرا للقانون العسكرى الإسرائيلى الذى يقيده تمامًا، بينما يتمتع أبراهام بحريات كبيرة.
إن الفيلم بمثابة صرخة فى وجه العالم بأن الاحتلال ليس مجرد قضية سياسية، بل هو معاناة إنسانية يومية. فمشاهد هدم المنازل وتشريد الأسر ليست لقطات سينمائية مصطنعة، بل هى واقع يعيشه الفلسطينيون يوميًا، سواء فى الضفة أو غزة التى تم تدميرها تمامًا، فى ظل صمت دولى وعجز عن اتخاذ أى خطوات جادة لوقف هذا الظلم.
فوز «لا أرض أخرى» بجائزة الأوسكار قد يعكس تحولًا مهمًا فى الرأى العام العالمى، إذ بات واضحًا أن الرواية الفلسطينية بدأت تجد طريقها إلى المنصات العالمية الكبرى، رغم محاولات التشويه والطمس التى تمارسها النخب السياسية الأمريكية، بقيادة ترامب.
تصريحات أبراهام خلال استلام الجائزة كانت لافتة، إذ دعا إلى حل سياسى قائم على المساواة ورفض التمييز العرقى، مؤكدًا أن «شعب باسل لن يكون حرًا إلا إذا كان الشعب الإسرائيلى آمنًا». هذه الرؤية تتحدى الخطاب الإسرائيلى التقليدى الذى يسعى لتصوير الفلسطينيين كخطر وجودى، وتطرح بديلًا أكثر إنسانية قائمًا على الاعتراف المتبادل بالحقوق الوطنية لكلا الشعبين، أو بمعنى أدق، هو ترجمة لجملة «حل الدولتين» التى طالما نادت بها مصر، ونادى بها الجميع.
لقد أثبت فيلم «لا أرض أخرى»- الذى وجد صعوبة فى توزيعه بأمريكا- أن الفن قادر على كشف الحقيقة وتحدى السرديات الزائفة، وبينما تواصل إسرائيل تبرير عدوانها باسم الحفاظ على شعبها، فإن العالم يشهد على معاناة الفلسطينيين فى كل بيت يُهدم، وكل طفل يُشرد أو يُهجّر. وهذا الفيلم، بجائزته الرفيعة، هو رسالة واضحة بأن الرواية الفلسطينية سوف تستمر ولن تُمحى حتى أبد الدهر.
الآن، يبقى التحدى الأكبر هو تحويل هذا الوعى المتزايد إلى خطوات ملموسة على الأرض، من خلال الضغط على الحكومات لاتخاذ مواقف أكثر صرامة ضد الاحتلال، ودعم الجهود الدولية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها. الأمل الآن معقود على أن يكون هذا الفيلم بداية لمرحلة جديدة من التضامن العالمى مع الشعب الفلسطينى، حيث يكون للعدالة صوت يسمعه الجميع.