بقلم : عبد اللطيف المناوي
يشهد الجيش اللبنانى تحديات داخلية وخارجية متزايدة وسط تعقيدات سياسية واقتصادية تؤثر على استقراره كمؤسسة وطنية. ورغم أن الجيش يمثل ضامنًا أساسيًا للأمن الوطنى، فإنه يواجه حملات متصاعدة تهدد قدرته على القيام بهذا الدور، فبين الضغوط السياسية والصراع على السلطة، يجد الجيش نفسه فى موقف معقد، خصوصًا مع تصاعد حملة يشنها «حزب الله» والتيار الوطنى الحر عليه، كلٌّ لأسبابه الخاصة.
بدأت حملة «حزب الله» على الجيش بأبعاد سياسية وأمنية، متهمة إياه بعدم قدرته على مواجهة التحديات الأمنية، خصوصًا على الحدود الجنوبية. ويمثل موقف «حزب الله» تحديًا كبيرًا للجيش، إذ يسعى الحزب للتأكيد على معادلة «الشعب، الجيش، والمقاومة»، ويشكك فى قدرة الجيش على ضبط الحدود بمفرده. أما التيار الوطنى الحر فله دوافعه الخاصة، إذ يرى فى قائد الجيش جوزيف عون تهديدًا لمكانة زعيمه جبران باسيل، خاصة مع تصاعد التوقعات حول دور عون فى الانتخابات الرئاسية المقبلة.
لا يمكن فصل الهجوم على الجيش عن موقف «حزب الله» الرافض لإضعاف دوره كقوة مسلحة خارج إطار الدولة. ويرى الحزب أن الجيش مدعوم دوليًا ليلعب دورًا فى نزع السلاح غير الشرعى، وهو ما يعارضه الحزب الذى يعتبر نفسه الجهة الوحيدة القادرة على مواجهة التهديدات الإسرائيلية. ورغم أن «حزب الله» يتمتع بنفوذ قوى، فإن استمراره فى انتقاد الجيش يضعه فى مواجهة مباشرة مع مؤسسة ذات تأثير عميق على المجتمع اللبنانى.
يواجه الجيش أيضًا تحديات داخلية تتعلق بالفراغ الرئاسى واحتمالات تمديد ولاية قائده، جوزيف عون، فى ظل صعوبة تعيين قائد جديد. ويبرز دور الجيش كمحور استقرار وسط مؤسسات الدولة المنهارة، ما يدفع المجتمع الدولى لدعمه والتأكيد على ضرورة عدم ترك فراغ فى قيادته. إلا أن هذا التمديد يثير اعتراضات، لا سيما من قبل التيار الوطنى الحر الذى يعارض التمديد كونه يعزز فرص «عون» فى الرئاسة.
تأتى هذه الحملة ضد الجيش فى وقت حرج، حيث تتصاعد المخاوف من تهديد تماسكه، وتبرز إمكانية سحب ضباط أو جنود من طائفة معينة. ورغم أن هذا السيناريو مستبعد إلى حد بعيد، فإن الضغط المستمر على الجيش قد يؤدى إلى انقسام أوسع فى حال تدهورت الأوضاع بشكل أكبر. وفى ظل الأزمة الحالية، يمثل الجيش أحد الأعمدة القليلة التى لا تزال صامدة، ما يجعله هدفًا للضغوط السياسية التى تتجاوز البعد المحلى، حيث تتداخل مع تأثيرات إقليمية ودولية.
بين محاولات استغلاله سياسيًا وتهديدات تفكيكه، يبقى الجيش اللبنانى أمام اختبار صعب. فرغم التحديات التى يواجهها داخليًا وخارجيًا، يظل الجيش حجر الزاوية فى الحفاظ على استقرار لبنان، غير أن استمرار حملات التشكيك والتحديات الاقتصادية المتزايدة قد تؤثر سلبًا على دوره كقوة موحدة.